كتاب الدر الثمين والمورد المعين

لمن اقتصر على سماع ظواهر الشرع لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقال «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ثم قال اعلم أن من قال ليس فيما يخالف الهوى وأنواع البلاء إلا الصبر فأما الرضى فلا يتصور فإنما أتى من ناحية إنكارالمحبة فأما إذا ثبت تصور الحب لله تعالى واستغراق الهم به فلا يخفى أن الحب يورث الرضا بأفعال الحبيب ويكون ذلك من وجهين الوجه الأول أن يبطل الاحساس بالألم حتى يجري عليه المؤلم ولا يحس به وتصيبه جراحة ولا يدرك ألمها ومثاله الرجل المحارب فإنه حال غضبه أو خوفه قد تصيبه جراحة وهو لا يحس بها حتى إذا رأى الدم استدل به على الجراحة بل الذي يكون في شغل قريب قد تصيبه شوكة في قدمه ولا يحس بألمها لشغل قلبه، والوجه الثاني هو أن يحس بالألم يدركه ولكن يكون راضياً به بل راغباً فيه مريداً له أعني بقلبه وإن كان كارهاً له بطبعه كالذق يتلمس من الفصاد الفصد والحجامة فإنه يدرك ألمه إلا أنه راضٍ به وراغب فيه ومتقلد من الفصاد المنة بفعله فهذا حاله حال الراضي بما يجري عليه من الألم وكذلك كل من يسافر في طلب الربح يدرك مشقة السفر ولكن حبه لثمرة سفره طيب عنده مشقة السفر وجعله راضياً به ومهما أصابته بلية من الله تعالى وكان له يقين بأن ثوابه الذي ادخر له فوق ما نابه رضي به ورغب فيه وأحبه وشكر الله تعالى عليه هذا إن كان يلاحظ الثواب والاحسان الذي يجاري به عليه ويجوز أن يغلب الحب بحيث يكون حظ المحب في مراد حبيبه ورضاه لا لمعنى آخر وراءه فيكون مراده حبيبه ورضاه محبوباً عنده ومطلوباً وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وأما الحب فقال فيه أول ما ينبغي أن يتحقق أنه لا تتصور محبة إلا بعد معرفة وإدراك إذ لايحب الانسان ما لا يعرفه ولذلك لم يتصور أن يتصف بالحب جماد بل هو من خاصة الحي المدرك فكل ما في إدراكه لذة وراحة فهو محبوب عند المدرك وكل ما في إدراكه ألم، فهو مبغض عند المدرك وما يخلو من استعقاب ألم ولذة فلا يوصف بكونه محبوباً ولا مكروهاً فإذا كل لذيذ محبوب عند الملذ به ومعنى كونه محبوباً أن في الطبع ميلاً إليه ومعنى كونه مبغضاً أن في الطبع نفرة عنه فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء الملذ فإن تأكد ذلك الميل وقوي سمي عشقاً والبغض عبارة عن نفرة الطبع من المؤلم المتعب فإذا قوي سمي مقتاً ثم قال فكل لذيذ محبوب وكل حسن وجمال فلا يخلو إدراكه عن لذة ولا أحد ينكر كون الجمال محبوباً بالطبع فإن ثبت أن الله تعالى جميل كان لا محالة محبوباً عند من انكشف له جماله وجلاله كما قال صلى الله عليه وسلم «إن الله جميل يحب

الصفحة 598