كتاب الدر الثمين والمورد المعين

قدر استقامة كل أحد
بما جاء به الرسول الذي أرسل إليه وعلى طبعه البشري في الدنيا من الاحتياج إلى المأكول والمشروب وأن الله تعالى جعل في هذه الدار ما يرون من الأسباب والحرف وسائل إلى الطعام والشراب على ما ألفوه وجعل في الدار الآخرة قبل دخول الجنة محافظة عهود الرسل أسباب مطعومهم ومشروبهم وليس هناك سبب سوى ما قدموا فتجد أكثر الناس مما يظن بهه المعرفة لا يظن أن الناس يأكلون بعد البعث ولا يحتاجونه في معتقده وإنما ذلك البعث والحساب قدر ركعتين ودخول الجنة وأن الشفاعة تنالهم لا محالة فهذا هو الغرور ويكون ذلك من مختصر كلام في صفح ورقة لأن خير الكلام ما قل ودل فقد ورد أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرضين بمقدار خمسين ألف سنة وسيعمر بالخلائق أجمعين عرصات القيامة مقدار خمسين ألف سنة كما صرح به القرآن ويقال عمارة العالم دور الفلك الأعظم خمسين ألف سنة وهذا الأخير لم أره والله أعلم بصحته أو فساده فإذا تقرر هذا فيلزم العالم أن يبلغ عن نبيه أعظم مهماته الذي أرسل به وموضع ذلك كل من قيد شيئاً أو ألفه أن يدمج هذا الأمر في سمائه أو يجعل له فصلا مستقلاً أو خاتمة وهو مناسب للخاتم ثم يكون هذا المقيد أو المؤلف هو أول قائم بهذا العلم وحمل نفسه على مقتضى ما علمه من الأوامر والنواهي ليكون ذلك داعية إلى الانتفاع به ظاهراً أو باطناً وما أفسد أحوال الشريعة إلا تساهل العلماء بأديانهم وطباع العامة على مراقبة الأفعال فلو رأوا من العلماء الخوف لخافوا وزاد الأمر بإظهار المناكر وسكت العلماء وزاد الصلحاء بجمع الدنيا وصدق القائل في قوله
وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
وزاد كل واحد ممن ذكر بالطمأنينة على ما عليه يخشى النكير عليه في الدنيا واستهون أمر آخرته وسبى العقول هم المأكول والمشروب فلوا أنصفوا استدلوا بالشاهد على الغائب وأخذوا الحزم للآتي كما أخذوه في هذه لأن الأبدان واحدة والبشرية طبيعتها في الاحتياج لا ينتفي بالموت بل يزداد شدة الاحتياج للطعام والشراب في عرصات القيامة حتى يأكل أهل الجنة من زيادة الكبد ويشربوا من الحوض فحينئذ يأكلون ويشربون تلذذاً وتنعماً بل وردت النصوص هي أن الله تكفل بالرزق في الدنيا ولم يرد في شيء تكفله في تلك العرصات وقد خطب الحجاج في ذلك فقال الحسن كلمة حكمة صدرت من فاسق وليس معهم ما بلغته الرسل من التوسع في الجنة فإن كل من دخلها يرى نفسه ملكاً من الملوك مما أفاض الله عليه من النعيم المقيم بل المهم الأعظم أمد العمار بالعرصات الكبار ولذلك لا تجد سورة من سور القرآن وإن كانت أخصر السور كالكوثر والعصر إلا والحق تعالى أنذر العباد بالموت أو حالة مآل الموت من أحوال القيامة إما تصريحاً أو ما يدل لذلك ثم الخوف من هذه العاقبة أهم المهمات أيضاً وإن

الصفحة 602