كتاب الدر الثمين والمورد المعين

كان على أكمل حاله في الدين بل يخشى ولعله من زمرة أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ولا يخرج من عدتها إلا من زكاه الرسل وقد قال صلى الله عليه وسلم «والمخلصون على خطر عظيم» نعم وكذا يظهر لي أن لا يبالغ المؤرخ في الثناء بما يختص الله بعلمه من أفعال القلوب كالزهد والولاية إلا أن يكون من أهل الإذن فإن الزهد هو خلو القلب من الميل إلى الدنيا فقد يكون الانسان تاركاً الدنيا ولم يتعلق بيده شيء منها لعدم القسمة الأزلية ولكن قلبه مفتون بها فليس هذا بزاهد وقد تكون يده عامرة وقلبه فارغاً من حبها يرى أنه أمين في التصرف فهذا زهد فمتى تعرف واتصل إلى ما فيه قلبه فتشهد عليه وربما تضرر بذلك في قبره إذا عرض عليه ما قيل فيه ولم يكن من أهله ويتأسف عليه دليله حديث أخت ابن رواحة حين تبكيه في مرض
أشرف منه عليه ويقال أنت كذلك فلما مات لم تبكه وكذلك لفظ الولاية وهو أشد من الأول لأنه يؤذن بحسن الخاتمة لقوله تعالى {ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ثم وصفهم فقال {الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا} وهو حسن الخاتمة تبشرهم الملائكة بذلك وكيف يصل المؤرخ إلى معرفة ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم في ابن مظعون لا أدري ما يفعل به وأنا رسول الله وإني لأرجو له الخير وقد أتاه اليقين أو كيفما قال صلى الله عليه وسلم وقال الغزالي إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا حسن الخاتمة قيل هي دعوى الولاية والكرامة اهـ وأنا لا أدري هل هذا مختص بالمدعي نفسه أو يشمل من ادعاها لغيره محبة وليس هو ممن يشهد بها من أهل الإذن فتأمله فالله أعلم قال الشيخ زروق وأما ادعاء المراتب والتجاسر عليها كقولهم فلان في مرتبة كذا وفلان بلغ إلى كذا أو ترجمة مشايخهم وسعة تقديمهم بالقطبانية ودعاؤها لمن لم يصلح أن يكون خديماً في المراحيض اهـ، ويقتصر المؤرخ على الأوصاف الظاهرة الصادقة كإتقان العلوم والفهم الثاقب والادراك والذكاء والحفظ وقوة العقل والنباهة والاصابة وعدم الخطأ والفصاحة والنجابة في التدريس والفراسة واستحضار الجواب والنقل الصائب والانصاف وعدم الميل للهوى وإفادة الطالب والحرص على ذلك ويعتبر هذا كله وما أشبهه مما يوصف به إما بالممارسة أو بالنقل الصحيح وقد علمت أنهم نصوا على أن التزكية بعد ما يسافر معه والسلام اهـ نص الورقة المذكورة وقد تضمن كلامه هذا الاشارة إلى مسألتين:

الصفحة 603