كتاب الدر الثمين والمورد المعين

الكثير الفقه فلو كانا رجلين متساويين في الفضل والفقه أحدهما أحسن صوتاً بالقراءة لما كان مكروهاً أن يؤم الأحسن صوتاً بالقراءة لأنها مرتبة زائدة محمودة خصه الله تعالى بها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري تغبيطاً لما وهبه الله تعالى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود
فحاصل ما جلبت إليه هذه الرواية وما قال القاضي إنما يستحب تقديم الحسن الصوت مع استوائه مع غيره في جميع موجبات الامامة فتكون له فضيلة زائدة ومن قدم الحسن الصوت لصوته فهو من باب الغناء الذي ينزه كتاب الله عز وجل أن يتخذ لذلك وإنما يجوز ذلك إذا طلب به رقة القلب والخشوع وأما من قصد الالتذاذ بصوته الحسن فلا يجوز ذلك وهذا الذي يفعل في بلادنا في تراويح رمضان يقدمون ذوي الاصوات الحسان لحسن أصواتهم على من هو أولى بالإمامة منهم لا شيء غير الصوت الحسن وهذا الذي جاء في الحديث التحذير منه وربما قدموا لذلك من لا يحسن وضوء أو لا غيره بل ربما قدموا لذلك صبياً قبل بلوغه وعقدوا له جموعاً لسماع صوته فإذا فرغ خرجوا من المسجد لا أرب لهم في الصلاة وإنما غرضهم سماع صوته وأكثرهم جلوس لا يصلون ولا ترى ناهياً عن ذلك ولا منكراً له بل تزخرف المساجد ويكثرون بها النيران وربما جلب بعضهم للمسجد المأكل يأكلها في المسجد لتتم لذاته بسماع الصوت الحسن وأكل الطيبات وقد ينتهي الحال لبعضهم أن يواعد لمجلس هذا القاريء من له غرض فاسد في مجالسته على وجه لا يجوز شرعاً وشرح جميع ما يقع في ذلك من أهل المجون مما ينزه كتابنا عنه فيأتي شهر رمضان الذي عظم الله سبحانه وتعالى شأنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناد يا طالب الخير هلم ويا طالب الشر أمسك فينصب لأهل الشر في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ولد يغنيهم بالقرآن فيجتمع عليه الرعاع لسماع صوته خاصة لا لرقة ولا لغيرها ثم يكون ذلك داعية لقبائح يعرفها من عرفها وذلك كله استخفاف بحرمة الشهر وحرمة المسجد وحرمة الصلاة وبعظم حرمة القرآن كلام الرب سبحانه فكل من أعان على شيء من ذلك بفعل أو قول فهو شريك بل من قدر على تغييره ولم يفعل فهو آثم عاص اهـ كلام الإمام القباب رحمه الله تعالى
أشار إلى ما يقع في القرويين وغيره في ليالي رمضان وخصوصاً ليلة سبع وعشرين واستفدنا بكلامه قدم هذه الداهية ولا نكير لها على مرور الاعصار والدهور

الصفحة 611