اخر، وإنما نذكر على سبيل الإطلاق والعموم، وذلك لا يجوز ورود النص والإجماع
به فلا يجوز ورود الاستنباط به.
1207 - احتج المخالف بأن الصحابة -رضي الله عنهم! - اختلفت في مسائل
حدثت في زمانهم [و] في حوادث شتى، فأقر بعضهم بعضا على الخلاف ولم يظهروا
في ذلك التبرى والتغليظ، كما فعلوا ذلك في حق من أباج الخمر وكما فعلوا في حق
مانعي الزكاة؛ فإنهم غلظوا في القول ولم يقروهم على ذلك. ولما لم ينقل من جهتهم
التبري والتغليظ في القول في شيء من الحوادث دل على أن كل مجتهد مصيب
وأنهم (1) كانوا يرون أقاويلهم المختلفة كلها حقا.
والجواب أن إجماع الصحابة حجة عليكم؛ فإنا قد نقلنا عن عمر وعلي (2) وابن
مسعود (2) وغيرهم في حوادث شتى أنهم صرحوا بأن الحق في واحد وما سواه باطل
وخطأ.
وجواب آخر أنه ليس إذا تركوا التغليظ والتبري مما يدل على أن ذلك صواب.
ألا ترى أنهم اختلفوا في مسائل ثم أجمعوا بعدها على قول واحد، وقبل الإجماع لم
يظهروا التبري والتغليظ، ثم لا يدل ذلك على أن الجميع حق؟. وذلك مثل اختلافهم
في فتال مانعي الزكاة؛ فإنهم لم يظهروا التغليظ والتبري، ثم اتفقوا بعد ذلك على
وجوب القتال؛ ولم تكن أقاويلهم قبل الإجماع حقا وصوابا. كذلك ههنا مثله
[269 و].
وجواب اخر أن ترك الإنكار لا يدل على أن ذلك حق وصواب. ألا ترى أن
المسلمين يتركون إظهار التبري في حق أصحاب الصغائر كما يظهرون ذلك في حق
أصحاب الكبائر، ثم لا يدل ذلك على أن الصغائرحق وصواب؟. بل الصغائر أيضا
خطأ وباطل كالكبائر.
وجواب اخر أنهم إنما تركوا التبري لأن الأدلة فيها خافية غير قاطعة للعذر ولا
__________
1207 - (1) في إ: وانهما.
(2) انظر التعليقات على الأعلام.
1563