وهكذا كانت سياسة الخليفة القاثم إزاء السلجوقي طغرلبك سياسة مبنية على ما
فيه مصلحة الخلافة لا على ما يمكن اعتباره تقارب رأي أو تعاطف جهود لحماية
الإسلام السني. وقد أقام السلجوقي مرة ببغداد ثلاثة عشر شهرا متواصلة دون أ ن
يحظى بمقابلة القائم؛ وأكثر من ذلك فالخليفة لم يستقبله استقبالا رسميا إلا سنة
449، أي بعد سنتين من دخوله بغداد كان فيهما وضعه حرجاً لسبب نزاعه مع أمراء
سلجوقيين اخرين كانوا مثله أقوتاء وباستطاعتهم أن يحظوا بمساندة الخليفة ورعايته لو
شاء ذلك. وما استطاع السلطان القضاء على الأمراء المنافسين قبل سنة
59/ 451. 1؛ والحق يقال إن مصلحة الخليفة كانت في استمرار النزاع إلى ما بعد
هذا التاريخ. وهكذا عاس طغرلبك فترتين، فترة الصراع ثم فترة السلطة العليا من
451 إلى سنة 1063/ 455. وفي كلتا الفترتين كان تارة في نزاع مع الأمراء وتارة
أخرى مع الخليفة الذي يسعى بدوره إلى الإبقاء على هذا النزاع وإلى شد أزر الأمراء
المزاحمين؛ وكان السلطان في كل هذا عرضة للثورات والمؤامرات والدسائس
والتقلبات المفاجئة والمتجددة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي الفترة
الثانية، فترة الحكم المطلق، تجرأ فخطب ابنة الخليفة بوساطة وزيره الكندري؟ وقبل
الخليفة على مضض وبشروط لم يعمل بها السلطان. ولم تتخلص منه ابنة الخليفة إلأ
بموت زوجها وسنه ست وستون سنة (1).
وخلف ألب أرسلان طغرلبك؛ إلا أن عهده لم ينقسم إلى قسمين كعهد سلفه إذ
لم يعرف إلا فترة مقاومة الأمراء المنافسين ومات قبل أن يتخلص منهم جميعا ويطمح
إلى فترة السلطة العليا. بل وأكثر من ذلك فلم يخلف سلفه حقيقة إلا بعد سبعة أشهر
قضاها في مقاومة المترشحين للسلطنة مثله؛ فإن كان طغرلبك توفي في رمضان 455
فعهد ألب أرسلان لم يبدأ إلا في ربيع الثاني من السنة الموالية. ثم إن الخليفة لم
يقبل به كسلطان إلا بعد أن سجن منافسه الكندري وأرجع إلى الخليفة ابنته التي
اضطرها السلطان السابق إلى مغادرة بغداد؛ إذن في سنة 456 واعترافا بفضل ألب
أرسلان أمر الخليفة بأن تلقى الخطب باسمه. إلا أنه لم يقدم إلى بغداد قط ولم ير
الخليفة مطلقا. وهو الذي اتخذ له وزيرا نظام الملك المشهور والذي كان له الأثر
__________
(1) جورح مقدسي في المصدر المذكور ص 79 - 87 و 88 - 98 و 917؟ 119.
15