الشيء بذكر حده وحقيقته (2) نعرفه أيضاً بما يدل عليه من العلامات. فمن جملة
العلامات الدالة على التمييز بين الحقيقة والمجاز نقل أرباب اللغة كالأصمعي (3)
والخليل (3) وابي عمرو (3) وغيرهم من الثقات العارفين باللغة؛ فإذا نقلوا أن هذا اللفظ
حقيقة عند العرب وهذا مجاز صرنا اليه وعملنا به؛ وقد ذكروا ذلك في كتبهم.
ومن ذلك أيضا أن يستعمل اللفظ في شيء يعلم ببديهة السماع أنه مجاز فيه
كاستعمال لفظ الحمار في الرجل البليد والنخلة في الرجل الطوتل والجبل في الرجل
الثقيل، يعلم ببديهة السماع أنه مستعمل على سبيل الاستعارة والمجاز وان ذلك ليس
بحقيقة فيه.
ومن ذلك أيضا أن المجاز لا يطرد والحقيقة تطرد [12 و]، فإنه يقال للرجل
الطوتل: نخلة، ثم لا يستمرذلك في كل طويل حتى يقال للحبل الطوتل: نخلة، ويستمر.
والحقيقة تستمر وتطرد؛ فإن كل ممتد في نفسه يسمى طويلأ.
ومن ذلك أيضا أن المجاز لا يتصرف في معناه وفعاله كتصرف الحقيقة في ما
استعملت فيه؛ فإنه يقال للرجل البليد: حمار، ولا يقال لصوته: نهيق، ولا أنه
جحش؛ وفي الحقيقة يقال ذلك. وإنما قلت: لا يتصرف في المجاز كما يتصرف في
الحقيقة، لأن المجاز قي اللغة طريقه السماع من العرب لأنه ترك لحقيقة كلامهم
وعدول عما وضع له اللفظ في أصل لغتهم، فاتبعناهم في ما سمعناه منهم، ولم يجز
ان نحكم عليهم ونتصرف في لغتهم.
ونظير ذلك قول أصحاب أبي حنفية لنا فى الزكاة (4) في مال الصبي لما استدللنا
بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إتجروا في أموال اليتامى لا تا8 كلها الضدقة" ()، فقال: "يحتمل أن
__________
(2) في الأصل: وضيقه.
( r ) أنظر التعليقات على الأعلام.
(4) الزكوه: هكذا في الأصل، وقد تكرر مرارا.
(5) في الأصل: ابتعوا. . ء، والإصلاح من الموطا؛ أنظر المعجم المفهرس لفنسنك (ح 7،
ص 346، ع 2) وفيه الإحالة الى باب الزكاة منه. والحديث هو: "إتجروا في أفوال اليتامى لا
تأكلها الركاة ".
174