الاستقلال لعلمه والاستخفاف به؛ ثم لا يجوز أن يريدهما بهذا اللفظ. كذلك
هاهنا.
فالجواب أنه لم يجز أن يريد المعنيين بذلك اللفظ لأنهما يتنافيان في الإرادة
ويتضادان في المعنيين، ولهذا لا يصح التصريح بهما في حالة، بخلاف مسألتنا فإن
هذين المعنيين لا يتنافيان في الإرادة ولهذا يصح التصريح بهما في اللفظ فجاز حمله
عليهما كالمعنيين المتفقين.
46 - قالوا: ولأن اللفظ الواحد لا يجوز أن يراد به ما وضع له حقيقة وما لم
يوضع له حقيقة كالأمر لا يجوز أن يراد به الإيجاب والتهديد.
والجواب أن هذا يبطل بالما [ء] المذكورة في آية التيمم فإنهم حملوه على النبيذ
والما [ء] المطلق، وأحدهما اللفظ فيه حقيقة وهو في الاخر مجاز؛ فالمعنى في لفظ
الأمر أن التهديد والإيجاب يتنافيان فيه، ولهذا لا يصح التصريح بهما فلا تجوز (1)
إرادتهما به، وفي مسألتنا لا تنافي بين المعنيين فجاز حمل اللفظ الواحد عليهما.
فصل [إثبات الاسم من جهة عرف الاستعمال]
47 - وأما إثبات الاسم من جهة عرف [14 ظ] الاستعمال فهوأن يكون اللفظ في
اللغة موضوعا لمعنى، إلا أن الناس استعاروه في غيره واستعملوه فيه وكثر استعمالهم له
حتى غلب على ما وضع له اللفظ في اللغة كالغائط في اللغة هو اسم للمكان المطمئن
من الأرض ثم كثر استعمالهم في ما يخرح من الإنسان فصار الإطلاق ينصرف إليه؛
وكذلك العذرة اسم لعتبة الباب ثم سمي به ما يخرح من الإنسان لأنهم كانوا يلقون
النجاسات بأقبية بيوتهم وبقرب عتباتهم فسميت العذرة بذلك لأن العرب تسمي الشيء
بالشي إذا كان مجاورا له أو منه بسبب. ولهذا قال الحطيئة (1) يهجو قومه [من البحر
الطويل]:
__________
46 - (1) في الأصل: يجوز.
47 - (1) أنظر التعليقات على الأعلام.