كتاب شرح اللمع

كان يغذي هذا التنافس ويشد بعضده. وسنرى في هذا القسم من الحديث عن الحياة
الدينية كيف أن تحيز الخليفة إلى المذهب الحنبلي، مذهب الجماهير في بغداد،
يقوي ساعده إزاء سلاطينه السلاجقة الذين كانوا يساندون إما الحنفية وإما الشافعية
الأشاعرة. إذن فلماذا هذا الفصل؟ الحقيقة أن وضوج العرض والبيان يقتضيه، هذا
إذا ألزمنا أنفسنا التنبيه على تشابك الحياتين في الواقع العملي. ثم إن العالم يظل
عال! ما وإن احتك بالسياسة وأثر فيها وتأثر بها؟ والخليفة يظل خليفة والسلطان سلطانا
والوزير وزيرا وإن اقتضت وظيفتهم ونجاعتها الاعتماد على المؤسسات الدينية
وممثليها والقاتمين عليها وكذلك الاستفادة من نصائحهم وآرائهم، وهم عادة أقرب
إلى الجماهير من غيرهم من رجال السياسة.
وسندرس أولا مذاهب أهل السنة مبتدئين بمذهب أبي حنيفة ثم مالك ثم
الشافعي ثم ابن حنبل ثم داود الظاهري ومذهب الاعتزال. وبعد ذلك ننتقل إلى
الشيعة الإمامية ثم الزيدية ثم الباطنية. ولنا وقفة لدى كل مذهب عند أهم ممثليه.
وكذلك إيضاج لما تمتع به من حظوة لدى الجماهير أو السلطة السياسية وتعريج على
مدارسه ومؤسساته العلمية. وفي هذا العرض فضلنا الاستفادة من كتاب ابن عقيل
وإحياء الإسلام السني في القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر للمسيح) الذي ألفه
جورج مقدسي. إلا أن لنا جولات في كتاب هنري لاووست عن سياسة الغزالي وبحثه
عن الماوردي.
السنة
1 - المذهب الحنفي:
أحسن من يمثله في هذا القرن الخامس الهجري هم أبو الحسين القدوري
المتوفى في 1537/ 428 وأبو عبدالله الصيمري المتوفى في 1.45/ 436 وأبو
عبدالله الدامغاني المتوفى في 1085/ 478. والملاحظ أنه منذ دخول السلاجقة
بغداد في 447/ 1055 قوي المذهب الحنفي بمدينة السلام واتصل الحنفية بالبلاط
السلجوقي لخدمة أفراده. وفعلا فالأتراك السلاجقة هم من الأحناف، وأحسن من
19

الصفحة 19