كتاب شرح اللمع

الشيخ يدرس حتى مماته. وهكذا شهد الحوادث العنيفة التي عاشتها النظامية إثر إلقاء
أبي نصر بن القشيري (- 514/.112) دروسه وخطبه في العقيدة الأشعرية ورد فعل
الحنابلة السلفية؛ وتدخل لدى السلط السياسية والدينية الشافعية لحسم الخلاف
وإيقاف الفتنة، كما سنرى ذلك في عرضنا المفصل لحوادث حياة الشيرازي.
وخلف الشيرازي في النظامية عند موته أبو سعيد المتولي (-86/ 478. 1) وهو
فقيه شافعي من الدرجة الثانية ومؤلف كتاب التتمة، أتم به الإبانة لأبي القاسي
الفوراني (- 79/ 471. 1). وقد عينه في هذا المنصب وسماه ونصبه مؤيد الملك،
أحد أبناء نظام الملك، الذي وصل إلى بغداد سنة 1.82/ 475 واستقر في
النظامية (1). ويذكر ابن كثير في البداية أن نظام الملك لما بلغه نعي الشيرازي أمر أن
يدرس ابن الصباغ مكانه (2).
وعلى كل فاًبو سعيد هو الذي تولى التدريس. ويعلق هنري لاووست على
هذا الحادث بأنه إن دل على شيء فعلى أن وثيقة الوقف كانت تسمح بهذا الإجراء،
أي أنها تمكن مؤسس النظامية أو وكيله ببغداد من تسمية من أرادا دون التماس إذن
الخليفة العباسي، صاحب السلطة الشرعية العليا والذي ترجع إليه كل تسمية في
الوظيفة العمومية. وبعد وفاة المتولي بقيت النظامية سنة بدون إدارة (3).
ونعلم أن الغزالي ألقى درسه الافتتاحي بالنظامية في سنة 91/ 484. 1 وأن
جمعا كبيرا من الفقهاء البارزين حضروا هذا الدرس وأن جمهورا هاما من الطلبة كانوا
يواظبون على متابعة دروسه في الفقه الشافعي. ولما قتل نظام الملك في مطلع السنة
الموالية بتحريض من باطنية الموت انقطع الغزالي عن التدريس واعتزل الحياة العملية
والاجتماعية (4).
أما عن فضل السبق في تأسيس مثل هذه المدارس العلمية فيؤكد هنري
__________
(1) هنري لاووست في سياسة الغزالي ص 31.
(2) البداية ج 1 1، ص 25 1.
(3) سياسة الغزالي في نفس المصدر.
(4) المصدر المذكور ص 12 والنحل في الإسلام ص 202.
23

الصفحة 23