كتاب شرح اللمع

الأيام التي يقعد فيها في مسجده للعزاء مع (خوانه وجيرانه لا تقطع في الأغلب الا
بقراءة القران أو بمناظرة الفقهاء في المسائل. فتوفيت زوجة القاضي أبي الطيب
الطبري وهو شيخ الفقهاء في ذلك الوقت ببغداد وكبيرهم؛ فاحتفل الناس بمجالسته
ولم يكد يبقى أحد منتم إلى علم إلا حضر ذلك المجلس؛ وكان ممن حضر ذلك
المجلس القاضي أبو عبدالله الصيمري وكان زعيم الحنفية وشيخهم، وهو الذي كان
يوازي أبا الطيب في العلم والشيخوخة والتقدم. فرغب جماعة من الطلبة إلى
القاضيين أن يتكلما في مساًلة من الفقه يسمعها الجماعة منهما وتنقلها عنهما، وقلنا
لهما: إن أكثر من في المجلس غريب قصد إلى التبرك بهما والأخذ عنهما؛ ولم يتفق
لمن ورد منذ أعوام جمة أن يسمع تناظرهما إذ كانا قد تركا ذلك منذ أعوام وفؤضا الأمر
في ذلك إلى تلاميذهما؛ ونحن نرغب أن يتصدقا على الجمع بكلامهما في مساًلة
يتجمل بنقلها وحفظها ايتها.
فأما القاضي أبو الطيب فأظهر الإسعاف والإجابة؛ وأما القاضي أبو عبدالله
فامتنع من ذلك وقال: من كان له تلميذ مثل أبي عبدالله - يريد الدامغاني - لا يخرج
الى الكلام، وها هو حاضر؛ من أراد أن يكلمه فليفعل! فقال القاضي أبو الطيب عند
ذلك: وهذا أبو إسحاق من تلامذتي ينوب عني. فلما تقرر الأمر على ذلك انتدب
شاب من أهل كازرون يدعى أبا الوزير يسأل أبا إسحاق الشيرازي: الإعسار بالنفقة
هل يوجب الخيار للزوجة؟ فأجابه الشيخ: إنه يوجب الخيار! وهو مذهب مالك،
خلافا لأبي! طنيفة في قوله: إنه لا يوجبه لها؛ فطالبه السائل على صحة ما ذهب اليه
فقال الشيخ أبو إسحاق: الدليل على صحة ما ذهبت إليه أن النكاح نوع ملك يستحق
به الإنفاق، فوجب أن يكون الإعسار بالإنفاق يؤثر في إزالته كملك اليمين.
فاعترضه السائل باعتراضات ووقع الانفصال عنها (0 0 0) 1 (0).
__________
(1) السبكي في طبقات الشافعية ج 4، ص 245 - 246.
49

الصفحة 49