كتاب شرح اللمع

أما عن الحياة الدينية فقد سبق لنا في التمهيد الأول أن حاولنا أن نحدد بعض
جوانبها؛ وهكذا رأينا في مطلع القسم المخضص لها كيف أن التنافس على السلطة
السياسية بين الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي في هذه الفترة التي تعنينا بالذات
كان يغذيه التنازع الديني ويشد بعضده؛ فتحيز الخليفة إلى المذهب الحنبلي، بصورة
عامة، وهو مذهب الجماهير في بغداد يقؤي ساعده إزاء سلاطينه السلاجقة الذين
كانوا يساندون إما الحنفية وإما الشافعية الأشاعرة.
وإن كانت الفترة التي تهمنا هنا بصورة خاصة هي فترة وزارة نظام الملك
المعروف بتعصبه للشافعية الأشعرية فلقد سبقتها فترة أخرى كان وزير السلطان
السلجوقي يتعصب فيها للحنفية على المذهب الشافعي؛ ومثل ذلك هو عميد الملك
الكندري وزير طغرلبك، وقد كان يعمل قصد جعل المذهب الحنفي المذهب
الرسمي للدولة العباسية. وكانت هذه سياسته الدائبة طيلة توليه الوزارة من
54/ 445. 1 إلى 65/ 457. 1. وحتى قبل توليه الوزارة إثر دخول السلاجقة إلى
بغداد كان قد حمل سلطانه طغرلبك هذا على أن يدفع الوعاظ والخطباء إلى لعن أبي
الحسن الأشعري (- 4 AV t / ry ) متهما إياه بالقول في الصفات بخلاف ما يقوله أهل
السنة والجماعة. وهي سياسة تسببت في هجرة عدد كبير من أشاعرة نيسابور كأبي بكر
البيهقي (-1566/ 458) وأبي القاسم القشيري (-1573/ 465) وأبي المعالي
الجويني (1 585/ 4 VA) . وهكذا يظهر أن هذا الوزير لما صعبت عليه مقاومة الشافعي
حاول النيل منه عن طريق الأشعري، صاحب عقيدة الشافعية، وبدا له أن سلوك هذه
السبيل أيسر وأنجع خاصة أن الحنابلة كثر ببغداد وهم باقون على عقيدة السلف،
عقيدة ابن حنبل البعيدة كل البعد عن العقيدة الأشعرية المعروفة بنزعتها الذهنية
والجدلية، وهكذا تتي! ر إثارة حماسهم بلعن الأشعري.
حتى إذا وصلنا إلى عهد وزارة نظام الملك وجدناه على النقيض من سلفه
الكندري متكونا على طريقة الفقهاء الشافعية، صديقا لأبي القاسم القشيري وأبي
المعالي الجوتني، وهي صداقة تدل على اهتمامه بالعقيدة الأشعرية؛ وهكذا أسس!
النظامية في نيسابور أولا وأقام على إدارتها أبا المعالي الجويني وقصد من تأسيسها
إلى تدريس الفقه على المذهب الشافعي؛ ثم لما أسس نظامية بغداد لأبي إسحاق
الشيرازي فصد خاصة إلى وقف المنصب الوحيد بها على العقيدة الأشعرية.
74

الصفحة 74