أما الشيرازي فلقد كان تتنازعه عاطفتان؛ فمن جهة كان شافعيا أي معتنقا
للأشعرية وإن كانت معتدلة قريبة من عقيدة أهل السلف؛ ومن جهة ثانية كان ما عرف
به من الورع الشديد يقعده عن احتكار المنصب الوحيد بالنظامية للتدريس الذي كان
يريده نظام الملك؛ وفي حديثنا عن الحياة الدينية (3 - المذهب الشافعي) مز
بنا أن هذا التورع قد يكون من جملة الأسباب التي فعدت به عن تدشين التدريس
بالنظامية تلبية لرغبة مؤسسها نظام الملك.
أما عن حياة الشيرازي فلقد مز بنا حين استعراض حوادثها الأساسية في التمهيد
الأول من هذا الكتاب أن الصعوبات التي لقيها في النظامية ترجع قبل كل شيء الى
شخصية نظام الملك الشافعية الأشعرية القوتة الحماس، وهي شخصية استطاعت
التأثير الشديد في سلوكه بحيث جرته شيثا فشيئاً الى الانسياق في طريق الدعوة
الأشعرية. ولعله نجح بعض النجاج في تجنيب المدرسة عوافبها وذلك بفضل ورعه
واعتداله وحسن سلوكه وجميل معاشرته. ولكن الوضع تأزم بشدة لما بعث الوزير بابن
القشيري الى مدرسته ليستقبل فيها كاستاذ أشعري وكضيف عليها. وهكذا سرعان ما
ثارت ثائرة الحنابلة من خطب الزائر ودروسه واتهموه لا بنصرة الأشاعرة فحسب بل
بالعمل كذلك على نقض معتقداتهم ودحضها. واستغلوها فرصة سانحة وأشعلوا نار
الفتنة فى 1077/ 469.
وحاول الشيرازي الدفاع عن ابن القشيري كما حاول الأشاعرة تجنيد الرأي
العام لجانبهم بتنظيم مجالس عمومية لهذا الغرض، ولكن بدون جدوى. واستنجد
حينئذ بالوزير السلجوقي ضد الحنابلة وبعث اليه بكتاب يذكر ما فعلوه من الفتن وذلك
على عادة لهم مألوفة. وييأس من نصرة الأشاعرة ويهدد بمغادرة بغداد بمعية انصاره
ويثنيه الخليفة العباسي عن عزمه مسترضياً. ويأتي رد نظام الملك يطالب فيه بالحاج
بالكف عن الطعن في مدرسته. ويأذن الخليفة لوزيره ابن جهير بعقد مجلس مصالحة
بقصره وبحضرته فيحضره الشيرازي والشريف أبو جعفر رأس الحنابلة ببغداد ويعئر
الوزير عن رغبة الخليفة في (يقاف الفتنة ويظهر مؤلفنا استعداده للصلح ويبئيئ
معارضته للأشعرية مبرهنا عنها بكتبه في اصول الفقه ويقئل راس الشريف ابي جعفر
علامة على المصالحة.
اذا فلم يقدم الشيرازي الا كتبه في اصول الفقه لاسترضاء الشريف ابي جعفر.
75