كالمتقدمة منهما أو تبتعدان شأن المتأخرة منهما. وليس في هذا ما يريب، فما دامت
الأشعرية توسطا بين الطرق - كما فال ذلك ابن خلدون - فيحدث لصاحبها أن يعتدل
في الاحتجاج والاستدلال العقليين وأن يكثر من الاحتجاج والاستدلال النقليين وأن
يصل إلى نتائج قريبة من معتقد أهل السنة والجماعة في قضية الصفات الإتهية وما
تقتضيه من تأكيد القدم وكذلك في قضية الخلافة والمفاضلة بين الصحابة وما تقتضيه
من تعظيم حسب مقام كل واحد منهم وحسب ما ورد من الحديث النبوي في شأن كل
منهم على حدة؛ فلا تملك من الحكم بعد كل هذا إلا أن تقول: هو على عقيدة
السلف أو هو أقرب ما يكون منها؛ وذلك حكمنا وحكم الأغلبية العظمى ممن كتب
عن عقيدة الشيرازي. وعلى النقيض من ذلك يحدث لأشعري اخر أن يلح على
الاحتجاج والاستدلال العقليين وأن يكثر من اعتماد منطق أرسطو على شكل
السجلموس Syllogisme حذو اعتماده على منطق الفقهاء الأصوليين القائم على
حدين أو إضافة شيء مخصوص إلى شيء آخر مخصوص، وذلك قصد إثبات
وجود الله؛ فإن لم يبتعد مع ذلك عن الحلول الأشعرية اعتبر وفيا لأشعريته ولكن قريبا
من الاعتزال؛ وهكذا بدا الجويني - كما رأينا - في أعين مؤلفي مقال دائرة المعار!
الإسلامية في الطبعة الجديدة الإنجليزية والفرنسية (1). ثالثا إن عبارة السمبكي أتت
على جانب هام من التعميم والتخصيص غير الواضحين تمام الواضح؛ وإلَّا فما معنى
كثرة الاستثناءات وما هي أهميتها الكيفية والكمية بالتدقيق وما هو مقدار هذا الاستثناء
في كل حالة من الحالات؟ وفي بعض ما ذكرناه منذ قليل على شكل ملاحظة ثانية ما
يوضح نوعا ما هذه الا ستثناءات.
3 - وفي عصرنا الحالي وفي ما كتب بغير اللغة العربية فمن المفيد أن نذكر أولا
بكتاب ابن عقيل واحياء الإسلام السني في القرن الحادي عشر (القرن الخامس
__________
(1) أنظر كذلك ابن عقيل لج. مقدسي (ص 167) حيث يؤكد الباحث رجوع (مام الحرمين في آخر
حياته الى عقيدة أهل الحديث كما يظهر ذلك في بيانات من ترجم له وفي كتاسه: رفالة د ي
اثبات الامتواء الفوقية ثم العقيدة أو الرسالة النظامية. وشتطردح. مقدسي معلقاً أن ليس لنا
أن نعجب إن رأينا في هذا القرن الخامى الهجري عددا من الحنفية والشافعية يتخذون لهم
موقفا من الكلام قريبا من موقف الحنابلة.
84