كتاب فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان

والماء الجاري وإن كانت جرياته متصلة حساً .. فهي منفصلة حكماً؛ إذ كل جرية طالبة لما أمامها، هاربة مما وراءها، فلو وقع فيها نجس .. فكما لو وقع في ماء راكد، حتى لو كانت قليلة .. تنجست بوصوله إليها وإن بلغت مع ما أمامها وخلفها قلتين؛ لتفاصل أجزاء الجاري؛ فلا يتقوى بعضه ببعض، بخلاف الراكد والجرية إذا بلغ كل منهما قلتين.
ولو وقع فيه وهي قليلة نجس جامد: فإن كان موافقاً لجريانها .. تنجست دون ما أمامها وما خلفها، أو واقفاً أو جريها أسرع .. فمحله وما أمامه مما مر عليه نجس وإن طال امتداده إلا أن يتراد أو يجتمع في حفره، وعليه يقال: ماء هو ألف قلة تنجس بلا تغير.
والجرية التي تعقب جريه النجس الجاري .. تغسل المحل، ولها حكم الغسالة، حتى لو كانت النجاسة مغلظة .. فلا بد من سبع جريات.
[حكم الماء المشمس]
الثانية: الماء المشمس؛ أي: ما سخنته الشمس بحدتها بمنطبع؛ أي: مطرق من غير النقدين في قطر حار كمكة .. الأصح: أنه يكره شرعاً تنزيهاً استعماله في البدن طهارة وغيرها حال حرارته إذا وجد غيره؛ لما روى البيهقي: أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد سخنت ماء بالشمس: "يا حميراء؛ لا تفعلي هذا؛ فإنه يورث البرص"، ولما روى الشافعي عن عمر: أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: (إنه يورث البرص).
والمعنى: أن الشمس بحدتها تفصل من المنطبع زهومة تعلو الماء فإذا لاقت البدن .. خيف عليه البرص، بخلاف المسخن بالنار؛ لذهاب الزهومة بها.
والعلة تقتضي أنه غير الماء من المائعات كالماء، وبه جزم الزركشي، ولو استعمله في طبخ طعام .. كره إن كان مائعاً، وإلا .. فلا، نقله في "المجموع" عن الماوردي والروياني وأقره، وظاهر كلام الجمهور: أنه يكره في الأبرص؛ لزيادة الضرر، وفي الميت؛ لأنه يحترم كما في الحياة.
قال البلقيني وغيره: وغير الآدمي من الحيوانات إن كان البرص يدركه كالخيل، أو يتعلق بالآدمي منه ضرر .. اتجهت الكراهة، وإلا .. فلا.

الصفحة 126