كتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية

إمام بقيت فإنه يسكت ولا يتابعه عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يتابعه الخ. قال بعض مشايخنا دلت المسألة على أن اقتداء الحنفي بشافعى المذهب جائز إذا كان محتاطًا في موضع الخلاف ولم يكن متعصبًا ولا شاكافي إيمانه وأنكر آخرون ذلك فإنه روى عن مكحول النسفي مصنف كتاب اللؤلئيات عن أبي حنيفة أن من رفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس فسدت صلاته لأنه عمل كثير فصلاتهم فاسدة عندنا فلا يصح هذا الاقتداء انتهى. والحق أن هذه الرواية التى رواها مكحول شاذة لا يعتد بها ولا بذاكرها وممن صرح بشذوذها محمد بن عبد الواحد الشهير بابن الهمام في فتح القدير وذكر أنه صرح بشذوذها صاحب النهاية. وفي حلية المحلى شرح منية المصلى لابن أمير حاج الفساد برفع اليدين في الصلاة رواية مكحول النسفي عن أبي حنيفة وهو خلاف ظاهر الرواية ففي الذخيرة رفع اليدين لا يفسد منصوص عليه في باب صلاة العيدين من الجامع ومشى عليه في الخلاصة وهو أولى بالاعتبار انهي. وفي البزازية رفع اليدين في المختار لا يفسد لأن مفسدها لم يعرف قرية فيها اهـ وفي السراجية رفع اليدين لا يفسد وهو المختار انتهى. وفي مقدمة رفع اليدين في الصلاة لمحمود بن أحمد بن مسعود القونوي. القول بعدم جواز اقتداء الحنفي بالشافعي ليس مذهب أبي حنيفة وإنما هو قول شاذ ذكره بعض المتأخرين على رواية مكحول النسفى وأن مكحولا تفرد بهذه الرواية ولم يروها أحد غيره في ما نعلم ولم يكن مشهورًا بالرواية في المذهب ولم نجد له قولا ولا اختيارًا ولم ينص أحد من المشايخ على صحة هذه الرواية ورجحانها فينزل بمنزلة المجهول من الرواية ومن يكن بهذه المثابة لا يجوز العمل بروايته ومعلوم ان مكحولا لم يكن من أهل القرون المعدلة ولم تشتهر روايته في السلف ليقر عليها فلا يجب العمل بروايته بل لا يجوز حتي قال الأصوليون من أصحابنا أن رواية مثل هذا المجهول في زماننا لا يعمل بها وإذا كان كذلك فى رواية الأخبار فكذا في رواية الأحكام الدينية إذ لا فرق بينهما في العمل بها وأيضًا فإن ظاهر ما روى عن مكحول يدل على أنه أدرك أبا حنيفة فلزم القائل بصحة روايته أحد الأمرين وهو إما أن يبين إدراكه لأبي حنيفة أو يبين الرواة الذين بينه وبين أبي حنيفة لتصح روايته وكذا من نقل تلك الرواية عن مكحول من المشايخ المتأخرين كالصدر الشهيد وغيره ومعلوم أنهم لم يدركوا مكحولا فيلزم أيضًا أن يبين إدراكهم إياه أو بين الرواة الذين بينهم وبين مكحول وإذا تعذر ذلك كانت تلك الرواية منقطعة الإسناد من الطريقين الأعلى والأسفل فيتطرق الطعن إليها بهذا الاعتبار وكذا تقول في سائر الروايات المخالفة لظاهر المذهب اللهم إلا أن ينص على صحتها والعمل بها باعتبار التنصيص على صحتها لا باعتبار ذاتها وليس هذا من باب الإرسال لما بينا أن مكحولا لم يكن من أهل القرون المعدلة ليقبل إرساله ولم يرو أحد عن مكحول هذه الرواية مسندة عن الإمام ولا مرسلة لتقوي روايته انتهى ملخصًا.
* * *

الصفحة 217