كتاب الجامع الأموي في دمشق
ومن هنا تخرج الكلمة من حلوق المؤذنين، وأفواه الخطباء والمدرسّين فتمشي في الفضاء، من فوق رؤوس الملوك والكبراء، والأغنياء والأقوياء، كلٌّ يخضع لها ويصغي إليها، لأنها كلمة الخالق، وإن جاءت على ألسنة ناس من المخلوقين.
هذه قلاع الإيمان في وجه الإلحاد.
هذه حصون الفضيلة، أمام الرذائل والشهوات.
والمسجد هو المعبد في الإسلام، وهو البرلمان، وهو المدرسة، وهو النادي، وهو المحكمة.
هو (المعبد): يدع المسلمين أحقادهم ومطامعهم وشرورهم وفسادهم على الباب، ويدخلون إليه بقلوب متفّتحة للإيمان، متطلّعة إلى السماء، متحلّية بالخشوع، ثم يقومون صفّاً واحداً، يستوي فيه الكبير والصغير، والأمير والحقير، والغني والفقير، أقدامهم متراصّة، وأكتافهم متزاحمة، وجباههم جميعاً على الأرض، يستوون في شرف العبودية، وفي شرعة العبادة.
وهو (البرلمان): ما دهى المسلمين أمر، ولا عرض لهم عارض، إلا نودي: "الصلاة جامعة" فاجتمع الشباب في المسجد. ففي المسجد يكون انتخاب الخليفة، وفيه تكون البيعة، وفيه تُبحث القوانين، تستمدّ من الشرع ثم تعلن فيه على الناس.
وهو (النادي): إن قدم أمير بلداً كان أول ما يدخله من البلد المسجد، على منبره يعلن سياسته، ويذيع منهاجه، وإن كانت حرب، عُقدت الرايات في المسجد، وليس في الإسلام حروب هجومية لمجرد
الصفحة 4
102