كتاب الجامع الأموي في دمشق

الفتح والاستعمار والكسب، بل فيه الحرب الدفاعية فقط، حرب الدفاع عن العقيدة: أن يمنع أحد مسيرها، وعن أصحابها: أن يحول أحد بينهم وبين قيامهم بفرض الدعوة إليها. إنهم مكلّفون بحمل المصباح الذي أضيء من غار حراء، لينوّروا به الدنيا، ويبددوا به الظلام عن أهلها فإذا انبرى لهم من يحاول إطفاء المصباح، ومن يريد منع نور الله أن يصل إلى عباده، حاربوه حتى يفيء ويرجع، فإن فاء ورَجَع إلى الحق كان واحداً منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، وإن أبى إلا عناداً فحارب فغُلب على أمره لم يُكرهوه على الإسلام، ولم يكلفوه شططاً، ولم يحمّلوه إلا ضريبة محدودة، هي تكاليف الدفاع الذي يتولّونه هم وحدهم. ضريبة هي أشبه بـ (البدل العسكري)، يدفعه المغلوبون من أموالهم، ويدفع المسلمون الغالبون ضريبة الجهاد من أرواحهم.
والمسجد هو (المدرسة): وفي المساجد وُضعت أسس الثقافة الإسلامية، وفيها ارتفعت ذراها، وشُيّدت صروحها. وكان يدرّس في المسجد كل علم ينفع الناس: من علوم القرآن، وعلوم السنة، وعلوم الشريعة، وعلوم اللسان، وعلوم سنن الله في الأكوان. وكل علم تحتاج إليه الأمة الإسلامية يكون تعلمه فرض كفاية في نظر الإسلام، حتى الكيمياء والفيزياء والرياضيات. ونجد بعد ذلك مَنْ تبلغ به الجهالة أن يَصِم بالجمود ديناً يجعل تعلّم الكيمياء فرضاً كفرض العبادات.
والمسجد هو (المحكمة): وعلى بُسُط المساجد وأمام أعمدتها وأساطينها أُصدرت أعدل الأحكام وأجرؤها، وفيها سُطرت أروع صفحات القضاء البشري، ولطالما أقام القضاة فا الجَمّال والحَمّال

الصفحة 5