كتاب الجامع الأموي في دمشق

العالية، أما السقف كله والقبة فلم يبق منه أثر، ذهب المسجد كله في ساعتين ونصف الساعة، المسجد الذي أُنفقت فيه الأموال والأعمار، وعملت في بنائه الأفكار والأيدي ألفاً وثلاثمئة سنة، ذهب كله في مئة وخمسين دقيقة فقط، ذهب في سبيل نارجيلة.
ذلك أن عاملاً من العمال كان يصلح رصاص السقف، في المعزبة الوسطى من الجهة الغربية، فأعجبه المنظر، وهاج في نفسه الشوق إلى نفس دخان، فجاء بنارجيلة وأوقد ناراً ليشعلها، فأشعل النار في الأموي.
خلت دمشق من مسجدها، ولكن ما خلت النفوس من إيمانها، وحطّ سقفه وجدرانه ولكن ما حطّ فرض الصلاة عن الناس، وماذا يضر المصلي إن هوت قبة المسجد وأمّحت روائعه وطمست نقوشه، ومسجد محمد الذي بُني على التقوى والذي كان مشرقَ النور على الدنيا ما كانت له قبة ولا كانت فيه نقوش، إنما هو سقيفة من اللَّبِن، والخشب، وماذا إن بقي بلا مسجد والأرض كلها للمسلم مسجد ومصلى.
لذلك كانت الفاجعة في الأموي الضحى، وأقيمت الصلاة في الأموي الظهر، أقيمت الصلاة، أقامها العالم الورع الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، في الصحن وراء البحرة والناس وراءه، فكانت النار لا تزال بقاياها في أرجاء المسجد، وهم يركعون ويقولون: الله أكبر، الله أكبر من الجامع، فإذا ذهب الجامع فالله باق، والصلاة باقية، لا يشغل المؤمن عن صلاته شيء في الدنيا مهما كبر، لأن الصلاة لله، والله أكبر.
صلوا في الصحن، ثم عمدوا إلى المشهد الغربي الذي بقي سالماً، فنقلوا إليه بعض مفروشات الجامع، وأقاموا له منبراً صغيراً للخطابة، وعمروا سدة صغيرة للمؤذّنين، وصارت تُقام الجمعة فيه، وكان المشهد الثاني (المعروف اليوم بمشهد الغزي) وهو الآن بهو الاستقبال،

الصفحة 85