كتاب التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (اسم الجزء: 10)

بالكلام قبلك قد كان أجرى الفعل في كلامه، فاستغنيتَ به عن إعادة آخر مثله، فوقع ذكرك لذلك الفعل كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلاً، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات، ولا يجوز ذلك في بقية أدوات الاستفهام، يقول القائل: خرجتُ يومَ الجمعة، فتقول في الاستثبات: متى خرجتَ؟ ولا تقول: خرجتَ متى؟ ويقول: سرتُ ضاحكًا، فتقول في الاستثبات: كيفَ سرتَ؟ ولا تقول سرتَ كيفَ، ويقول: قعدتُ خلفَ بكر، فتقول في الاستثبات: أين قعدتَ؟ ولا تقول: قَعدتَ أين؟ وقد حكي في أين دخول العامل عليها في الاستثبات، وإجراؤها في ذلك مجرى مَن وما وأيّ، حكي من كلامهم: إنَّ أينَ الماءَ والعشبَ؟ جوابًا لمن قال: إنَّ في موضوع كذا الماءَ والعشبَ. وتقول لمن قال: اشتريتُ عشرين فرسًا، إذا استثبتَّ: كم فرسًا اشتريتَ؟ ولا تقول: اشتريتَ كم فرسًا. وقد يجيء ذلك في كم في العطف، حكي من كلامهم: قبضتَ عشرين وكم؟ إذا استثبتَّ من قال: قبضتُ عشرين كذا وكذا. ومحسِّن ذلك هو أنه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف /عليه. فهذه مناقشة على المصنف في نفس كم إذ جاز تقدم العامل عليها في العطف وكونها لم تلزم الصدر، وعلى قوله «ولا فرق في ذلك بين كم وغيرها»، وقد بيَّنَّا الفرق بينها وبين بعض أدوات الاستفهام في كون أيّ ومَن وما للاستفهام يجوز ألاَّ تقع صدرًا، وأن يتقدم عليها العامل في الاستثبات.
وأمَّا في الخبر فإنه ذكر أنَّ الخبرية تجري مجرى الاستفهامية في وجوب التصدير. وهذا الذي ذكره بالنسبة إلى أشهر اللغات، وأمَّا في بعض اللغات فإنه يجوز ألاَّ تتصدر، ويتقدمها العامل، فتقول: فككتُ كم عانٍ، وملكتُ كم غلامٍ، وهي لغة قليلة، وهذه اللغة كانت القياس لأنها بمعنى كثير، فإذا قلت: كم عانٍ فككتُ، فالمعنى: كثير من العُناة فككتُ، فكما يجوز: فككتُ كثيرًا من العُناة،

الصفحة 34