كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)

قوله في الإكراه، وهو ظاهر من حالة أن المرأة لا تقدر على ذلك فطلقها طوعًا، فإذا تقرر هذا فلا خلاف أنه إذا طلق مكرهًا، وروي بغيره بأن قال: أردتُ من وثاق أو أردت أنها كانت طالق من زوج غيري يقبل في الحكم ولا يقع شيء بخلاف حالة الطوع، لأنه لو أراد ذلك لا يقبل في الحكم لأن الظاهر من الإكراه أنه أراد ما قال ولا خلاف أنه لو اختار اللفظ وأقر به أو أكره على طلقة واحدة فطلقها ثلاثًا أو أكره على تعليق الطلاق بصفة فنجزه أو أكره على التنجيز، فعلق أنه يقع الطلاق وحكي شيخنا ناصر - رحمه الله - عن أبي الوليد النيسابوري من أصحابنا أنه قال: لا يقع وإن نوى الطلاق لأن اللفظ من غير اختياره فبقي مجرد النية وهذا ضعيف، وإن أطلق ولم ينو ولم يور بغيره لا يقع الطلاق أيضًا عن أكثر أصحابنا، وقال بعضهم: فيه وجهان، أحدهما: هذا لأنه لفظ حمل عليه من غير حق فلا حكم له كالإقرار بالطلاق. والثاني: أنه يقع الطلاق لأنه كان قادرًا على التورية فتركها فصار مختارًا للطلاق ولهذا تلزمه التورية إذا أكره على كلمة الكفر وهذا اختيار القفال.
فرع
المولى إذا أكره على الطلاق عند امتناعه من الفيء فطلق يقع الطلاق لأنه إكراه بحق، ولو نذر عتق عبد بعينه فامتنع من إعتاقه فأكره حتى أعتق نفذ لما ذكرنا، وعلى هذا لو أكره الذمي على الإسلام فأسلم لا يصح إسلامه لأنه لا يحل إكراهه عليه، ولو أكره الحربي على الإسلام فأسلم صح إسلامه [23/ أ] لأنه إكراه بحق، ولو أكره الذمي أو الحربي على الإقرار بالإسلام فأقر لا يصح لأنه إكراه بحق. ولو أكره الذمي أو الحربي على الإقرار بالإسلام فأقرّ لا يصح لأنه لا يجب على المسلم إكراه واحد منهما على الإقرار بالإسلام إنما يجب في الحربي الإكراه على إنشاء الإسلام. ولو قال: طلق امرأتك وإلّا اقتصصت منك لا يكون إكراهًا لأنه أوعده بالحق.
فرع آخر
لو قال: طلق وإلا قتلتُ نفسي لا يكون إكراهًا.
فرع آخر
حد الإكراه ماذا؟ قال أصحابنا: أصل الإكراه يفتقر إلى ثلاث شرائط: أن يكون المكره قاهرًا غالبًا وهو على ضربين: أحدهما: أن يكون عام القدرة كالسلطان والمتغلب، والثاني: أن يكون خاص القدرة كاللص والسيد مع عبده. والثاني: أن يغلب على ظن المكره إن الذي يطلب منه متى لم يفعله وقع به الوعيد الذي يهدده. والثالث: أن يكون الذي يهدده به مما يلحقه به ضرر فيما يخصه في نفسه.
فرع آخر
اختلف أصحابنا في الضرر الذي يتواعد به، منهم من قال: أن يخاف قتلًا أو جرحًا وقد قال أبو إسحاق قريبًا من هذا وذلك أنه قال: الإكراه فعل مبرح أو فعل مؤثر تأثيرًا يؤدي إلى الموت، فأما إذا هدده بأخذ ماله أو حبسه من غير منع الطعام والشراب فلا

الصفحة 105