كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)
يكون إكراهًا حتى لو هدد بأخذ ماله لا يكون إكراهًا، وقال أيضًا لا إكراه إلا أن ينال بالضرب. وقال ابن أبي هريرة: هذا كله إكراه، والتهدد بأخذ المال وإتلافه إكراه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له أن يدافع عن ماله كما جعل له أن يدافع عن نفسه وإن هدده بالضرب اليسير والصفع والشتم والحبس فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس، لأن في كل هذا ضررًا [23/ ب] وقد قال الشافعي رحمة الله عليه في "كتاب المكره" من يخاف مخوفًا عليه دلالة أن امتنع من قبول لما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم والاختلاف باختلاف أحوال الناس، أما إن كان الرجل من ذوي المروءات والأشراف الذي يستضر بالضرب اليسير والشتم والحبس القليل كان إكراهًا، وإن كان من الشطار والسقاط الذين عادتهم الضرب والشتم والحبس لا يكون إكراهًا، وبه قال صاحب الإفصاح وهو الصحيح والمذهب، وقال القفال في شرح عيون المسائل: حدُ الإكراه في كل موضع أن يخوف الرجل بما لا يطيقه ويشق عليه تحمله في بدنه مثل القتل أو الضرب المبرح أو الحبس الطويل، فأما اللطمة واللطمتان أو حبس يوم أو يومين أو كان شريفًا فخوف بأن يجرد من ثيابه في الملأ أو ينكل به في البلد، أو يركب حمارًا ويطاف به، ونحو ذلك فليس بإكراهٍ وكذلك الإكراه بإتلاف المال، لأن الإكراه في البدن لا في المال، وعلى هذا لو قال لرجل: إن أتلفت مال فلانٍ وإلا قتلك فأتلف فهو مكره ولا يغرم المال الذي أتلفه، وبمثله لو قيل: له إن أتلفت مال فلان وإلا أتلفنا مالك فأتلف فعليه الضمان ولا نجعله مكرهًا. قال: وقد غلط أهل هراة في صورة المكره وكنت بها وقد انجلى عنها الرئيس القديم وأقيم مقامه سواء كان هذا الرئيس الثاني يأتي بأقوام من أهل هراة يتهمهم بأن عندهم ودائع ذلك الرئيس القديم فينكرون ويحلفون بالطلاق ويطلقهم فسئلت عن وقع الطلاق في هذه الحالة فأفتيت بأن الطلاق يقع فنازعني أهل هراة فيها، وقالوا: يجب أن لا يقع لأنها يمين مكرهٍ [24/ أ] فقلت: ليس هذا يمين مكره لأن الإكراه أن يخوف في بدنه بشيء فأما في مال غيره فلا إكراه، فإذا حلف أن لا وديعة عندي بالطلاق وعنده وديعةٌ فكأنه افتدى المال بالطلاق فوقع الطلاق إذ الإكراه هاهنا ليس على الطلاق وعلى هذا لو حبس السلطان رجلًا ليصادر فباع أمواله في تلكم الحال فالبيع نافذ لأنه لم يكره به على البيع وإنما أكرهه على بدل ماله والفتوى عندي هاهنا أن يحلف ويوري ولا يقع الحنث حتى لا يتلف مال الغير والله أعلم. وروي عن أحمد في رواية أنه قال: الوعيد لا يكون كرهًا لأنه لم يحلقه ما يستضر به، وقال: المكره إذا كان القتل أو الضرب الشديد وهذا غلط لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد، لأنه لا يمكن إزالة ما يقع به وإنما يخاف ما يوعد به وقد قال شريح: القيد كره والوعيد كره وفي قصة المشتار عسلًا لم يكن إلا الوعيد، وذكر صاحب "الحاوي" هذا الفصل شرحًا حسنًا فأوردته على وجهه وذلك أنه يعتبر في المكره ثلاثة شروط،
الصفحة 106
544