كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)
والنية من حديث النفس. فاقتضى أن تكون موضوعة عنه، ولأن الطلاق إزالة ملك والملك لا يزول بمجرد النية كالعتق والهبة، ولأن الطلاق أحد طرفي النكاح فلم يصح بمجرد النية كالعقد.
وأما قوله عليه السلام: "إِنَمَا لِكُلَّ امْرِئ مَا نَوَى" فالمواد به ثواب قربه إلى فعلها، فلم يدخل فيه نية الطلاق، لم يفعل. فأما الردة فلأن ثبوت الردة توقع الفرقة والردة فتكون بمجرد الاعتقاد كالإيمان وليس كالطلاق.
فصل
فإذا صح أن الطلاق لا يقع إلا بالقول. فالألفاظ فيه تنقسم ثلاثة أسام: قسم يكون صريحاً فيه، والصريح ما وقعت به الفرقة من غير نية، وقيم يكون كناية فيه. والكناية ما وقعت به الفرقة مع النية ولم تقع به من غير نية، وقيم لا يكون صريحاً فيه ولا كناية: وهو ما لا يقع به الفرقة سواء كانت معه نية أو لم تكن.
فأما صريح الطلاق فهو على مذهب الشافعي ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح
وقال أبو حنيفة: صريج الطلاق لفظة واحدة وهي الطلاق دون الفراق والسراح استدلالاً بأن كل لفظ تعارف الناس استعماله في الطلاق وغير الطلاق، لم يكن صريحاً في الطلاق، قياساً على قوله أنت علىَّ حرام، وقد تعارف الناس استعمال الفراق والسراح في غير الطلاق، فلم يكن صريحاً في الطلاق.
ودليلنا هو: أن كل لفظ ورد به القرآن قصد الفرقة بين الأزواج كان صريحاً فيها كالطلاق، وقد ورد القرآن بهذه الألفاظ الثلاثة. أما الطلاق فبقوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]. وبقولة: {ِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. وغير ذلك.
وأما السراح فبقوله تعالى: {فَإمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِحُ بِإِحُسَنٍ} وقال {فَتعالانَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28]. وأما الفراق فبقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]. اعترضوا على هذه الدلالة، وهي دلالة الشافعي بخمسة أسئلة:
أحدهما: أن قالوا: هذا منتقض بالفدية، قد ورد بها القرآن في الفرقة بقولة: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]. وليس بصريح في الطلاق فعنه جوابان:
أحدهما: أن الفدية لفظ صريح في حكمه أنه فسخ أو طلاق على أحد القولين.
والثاني: أن مقصود الفدية استباحة مالها به، بعد أن كان محظوراً قبله بقوله: {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]. فنسخ بقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
والسؤال الثاني: أن قالوا: الكناية قد ورد بها القرآن في العتق بقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]. والفك قد ورد به القرآن في العتق بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد: 12،13]. وليس الكناية والفك من صريح العتق
الصفحة 38
544