كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)
حكم الطلاق في الوقوع بإمساكه على قوله قد طلقتك ولا يؤثر فيه، ما استأنفه بعد الإمساك من قوله من وثاقك ولظهر أول الكلام مربوطًا بآخره كما لا يؤثر الاستثناء بمشيئة الله ويبين العدد بعد انقطاع الكلام.
والضرب الثاني: أن يقول ذلك متصلًا، لا يفصل بين قوله: طلقتك وبين قوله: من وثاقك فيصير أول الكلام مربوطًا بآخره، فيخرج أوله من الصريح، بما اتصل فيه وفي آخره. كما لو اتصل بالكلام استثناء، صار حكم أوله محمولًا على الاستثناء بآخره. فإن قيل: فقد قدح صريح الطلاق بقوله: قد طلقتك، وقد يجوز أن يتعقبه ندم، فيصله بقوله من وثاقك، قيل: لا معنى لهذا التوهم لأن الكلام المتصل يتعلق الحكم بجميعه لا ببعضه، ألا ترى لو قال: لا إله إلا الله، كان موحدًا بالإيمان، وإن كان أوله نفيًا وآخره إثباتًا، وليس لقاتل أن يقول: قد كفر بقوله لا إله ثم خاف فاستدرك بقوله لا إله، فينبغي أن يحكم بكفره، ولا يحكم بإيمانه، وإذا كان كذلك، صار اللفظ الصريح بما اتصل به من القرينة، كناية يقع به الطلاق إن نواه، ولا يقع به إن لم ينوه.
فصل
وإذا قال الرجل لامرأته: أنا طالق منك، كان كناية يقع به الطلاق إن نواه، ولا يقع إن لم ينوه، وكذلك لو جعل إليها طلاق نفسها، فقالت: أنت طالق مني كان كناية، يقع بها الطلاق، إن نوته، ولا يقع إن لم تنوه، وقال أبو حنيفة: لا يقع بهما الطلاق إلا إذا قال الزوج: أنا طالق منك، ولا إذا قالت الزوجة: أنت طالق مني، ولو قال الزوج: أنا بائن منك، أو أنا حرام عليك، قال أبو حنيفة: يقع به الطلاق إن نواه، واستدل أبو حنيفة على ما خالفنا فيه بأن رجلًا جعل أمر امرأته بيدها، فطلقت زوجها، فسأل عبد الله بن عباس عن ذلك، فقال: خطأ الله نؤها، هلا طلقت نفسها، إنما الطلاق لك عليها، وليس لها عليك: ولأنه لما اختصر اسم الطلاق بالزوجة دون الزوج، فقيل لها: إنها طالق، ولم يقل للزوج: إنه طالق، وجب أن يختص حكم الطلاق بالزوجة دون الزوج، فتقع الفرقة بالطلاق عليها ولا تقع بالطلاق عليه، لأن ثبوت الحكم يقتضي ثبوت الاسم، وانتفاء الاسم يقتضي انتفاء الحكم كما أن انتفاء اسم الزوجية يوجب انتفاء حكمها وثبوت اسمها يوجب ثبوت حكمها، قال: ولأن الزوج لو كان محلًا لوقوع الطلاق عليه، لكان صريح الطلاق فيه صريحًا، ولكان حكمه به متعلقًا فلما انتفي عنه صريح الطلاق، ولم تجب عليه العدة من الطلاق، دل على أنه ليس بمحل للطلاق كالأجنبي، ولأن قوله لزوجته: أنا طالق منك، كقوله لعبده: أنا حر منك، فلما لم يكن هذا عتقًا، لم يكن هذا طلاقًا، قال: ولأن الطلاق هو الإطلاق من الحبس، والزوجة محبوسة عن الأزواج. فجاز أن يقع عليها الطلاق والزوج غير محبوس بها عن الزوجات، لم يجز أن يقع عليه الطلاق.
ودليلنا ما روي عن عبد الله بن مسعود، سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن وقوع الطلاق على الزوج فقال عمر: "كيف ترى أنت، فقال: أرى أنها واحدة، وزوجها
الصفحة 44
544