كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)

لم يرد به ثلاثًا، فعندنا يكون رجعيًا إن أراد به واحدة أو اثنتين، أو لم تكن له نية في عدده.
وقال أبو حنيفة: يكون بائنًا، لا يملك فيه الرجعة استدلالًا بأن قوله: أنت بائن لفظ يقتضي البينونة فوجب أن يقمع الطلاق به بائنًا كالثلاث، ولأنه لا يخلو أن يعمل هذا اللفظ في وقوع الطلاق، فيجب أن يقع على مقتضاه، وإن لم يعمل تجردت النية عن لفظ عامل، فيجب أن لا يقع به طلاق.
ودليلنا حديثركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته سهمية البتة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عما أراد بألبتة فقال: واحدة، فأحلفة عليها، وردها عليه، فدل على أنها لا تكون ثلاثًا. فخالف قول مالك وتكون رجعية بخلاف قول أبي حنيفة، وروي أن المطلب بن حنطب طلق امرأته ألبتة، فقال له عمر أمسك عليك زوجك، فإن الواحدة لا تبت، وهذا دليل عليهما، وروي أنه قال: فإن الواحدة بتت، يعني بانقضاء العدة إن لم يمسك.
وروي أن التوأمة طلق امرأته ألبتة فقال عمر: ما أردت قال: واحدة فاستحلفه، فقال: أتراني أقيم على فرج حرام، فأحلفه وأقره على نكاحه، وليس يعرف لعمر في هذا مخالف، فكان إجماعًا على مالك وأبي حنيفة، لأن وقوع الطلاق إذا تجرد عن عدد وعوض، كان رجعيًا في المدخول به، قياسًا على قوله: أنت طالق، أو اعتدي أو استبرئي رحمك، أو أنت واحدة، فإن أبا حنيفة وافق على هذه الأربع أنه يملك بها الرجعة، ولأنها معتدة يلحقها الطلاق فوجب أن يملك رجعتها كالمطلقة بالصريح، وبما ذكرنا من الكناية، ولأن ما لا يتعلق بصريح الطلاق لم يتعلق بكنايته، لتحريم الثلاث، ولأن م لم يمنع صريحه من الرجعة لم تمنع كنايته من الرجعة لقوله: أنت واحدة، هو كناية أنت طالق.
ولأن صريح الطلاق من كنايته فلما لم يرفع الصريح الرجعة، فأولى أن لا ترفعها الكناية، ولأنه لو نوى بالطلاق صريح أنه بائن لم يرفع الرجعة، فإذا تجرد لفظ البائن عن الصريح، فأولى أن لا يرفع الرجعة، فأما استدلاله بأنه لفظ يقتضي البينونة، فمنتقض بقوله: أنت طالق بلا رجعة لي عليك، تكون طالقًا وله الرجعة، فلم يرتفع بهذا اللفظ، وإن كان مقتضيًا للبينونة ثم المعنى في الأصل الذي هو الثلاث، استيفاء العدد، وأما استدلاله بأنه إذا وقع به الطلاق وقع مقتضاه، فمنتقض بلفظ الطلاق، لأنه يقتضي طلاقًا من جنسه، وقد يكون رجعيًا لا يخرج به من جنسه.
فصل
وأما الفصل الثالث: وهو إذا نوى بالكنايات اثنتين وقع اثنتان عندنا.
وقال أبو حنيفة: لا تقع إلا واحدة، استدلالًا بأن قوله: أنت بائن يتضمن البينونة وهي نوعان: صغرى وهي التي تثبت الرجعة وتحل قبل زوج، وكبرى وهي التي تقطع

الصفحة 47