كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)

والطرد، فلا يقع به الطلاق وإن نواه وعند مالك يكون طلاقًا، لأنه يوقع الطلاق بمجرد النية، فأولى أن يوقعه بالفعل مع النية وفيما مضى من الدليل، على أن الطلاق لا يقع بالنية، دليل على أنه لا يقع بالفعل، وإن اقترنت به النية.
والدليل عليه أيضًا: أن الطلاق أعظم حكمًا من الإيلاء والظهار، لأنه يساويهما في قصد التحريم، ويزيد عليهما في رفع العقد، فلما لم يصح الإيلاء والظهار إلا بقوله دون النية والفعل، كان الطلاق بذلك أولى.
فصل
وأما الكناية وهو أن يكتب بخط يده، أنت طالق، أو قد طلقتك، أو أنت مطلقة فقد اختلف الناس فيما حكي عن الشافعي وأحمد بن حنبل: أنها صريح في وقوع الطلاق بها لا يفتقر إلى نية كالكلام، لأن الله تعالى قد أنذر بكتبه فقال تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ ومَن بَلَغَ} [الأنعام: 91]. وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة بمكاتبة من كاتبه، ولأنها تقوم في الإفهام مقام الكلام، ثم هي أعم من إفهام الحاضر والغالب مسن الكلام المختص بإفهام الحاضر دون الغائب، ولأن العادة جارية باستعمالها في موضع الكلام، فاقتضى أن يكون جارية في الحكم مجرى الكلام، ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - قد جمعوا القرآن في المصحف خطأ، وأقاموه مقام تلفظهم به نطقًا، حتى صار ما تضمنه إجماعًا لا يجوز خلافه، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكتابة ليست صريحًا في الكلام ولا يجري عليها حكم الصريح من الكلام، لأن الله تعالى قد أرسل رسوله نذيرًا لأمته ومبلغًا لرسالته فقال تعالى: {إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا} [البقرة: 199] فلو كانت الكتابة كالكلام الصريح، لمكن الله تعالى رسوله منها، ولعلمه إياها لنكون مع تكليف الإنذار ممكنًا من آلائه، وكاملًا لصفاته، ومعانًا عليه من سائر جهاته، حتى لا يناله نقص فيقصر، ولا ضعف فيعجز، ولكان لا يبعث رسولًا، إلا أميًا لا يكتب، وإن تكلم، كما لا يبعث رسولًا أخرس، لا يتكلم وإن كتب، وفي فحوى هذا دليل على خروج الكتابة من صريح الكلام، ولأنها لو قامت مقام صريح الكلام لأجزأ من كتب القرآن في الصلاة عن أن يتكلم به في الصلاة، ولاقتضى من المرتد إذا كتب الشهادتين عن أن يتكلم بالشهادتين، وفي امتناعنا من ذلك خروج الكتابة من حكم الكلام، ولأنه لو كانت الكتابة صريحًا كالكلام لصح بها عقد النكاح، كما يقع بها فيه الطلاق، وفي إجماعنا على أن عقد النكاح بها لا يصلي دليل على خروجهما من صريح الكلام في الطلاق، فإذا تقرر أن ليست الكتابة صريحًا في الطلاق، فقد اختلف قول الشافعي، هل يكون كناية فيه أم لا؟ على قولين:
أحدهما: وأشار إليه في كتاب الرجعة.
وقال به أبو إسحاق المروزي من أصحابنا: أنها لا تكون كناية، ولا يقع بها طلاق وإن نواه، لأنها فعل فأشبهت سائر الأفعال، ولأن كتابة اليد ترجمان اللسان ومعبر عنه كما أن كناية الكلام ترجمان القلب ومعبر عنه فلما لم تقم الكتابة مقام الصريح إلا بنية

الصفحة 53