كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)

القلب لم تقم الكناية مع الكلام إلا بنطق اللسان.
والقول الثاني: وهو الصحيح نص عليه ها هنا وفي الإملاء، وقال أبو حنيفة ومالك: إن الكتابة كناية في وقوع الطلاق بها مع النية، ولا يقع بها الطلاق إن تجردت عن النية، لأنها نقص عن الكلام لاحتمالها وتخالف الأفعال المخاطب بها، ولأن العرف في استعمالها أنها بدل من الكلام، تقتضي أن يتعلق عليها بعض أحكام الكلام، فصارت كالمحتمل فيه من اعتبار النية فيه:
فصل
فإذا قلنا بالأول أن الكتابة ليست صريحًا ولا كناية، فلا يقع بها الطلاق وإن نواه من حاضر ولا غائب، وكذلك العتق، فإن قلنا بالثاني في أن الكتابة كناية يقع بها الطلاق إذا اقترنت بالنية، ولا يقع بها الطلاق إذا تجردت عن النية، فكذلك العتق، ويصح بها الطلاق والعتاق من الغائب، وهل يصح من الحاضر أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح من الحاضر كما يصح من الغائب، لأن كنايات الطلاق والعتاق من الحاضر والغائب سواء، فكذلك الكتابة.
والوجه الثاني: أنه لا يصح بها الطلاق والعتاق، من الحاضر والنائب لأمرين:
أحدهما: أنها من الغائب ضرورة كإشارة الأخرس، ومن الحاضر غير ضرورة كإشارة الناطق.
والثاني: أنها مستعملة في عرف الغائب، وغير مستعملة في عرف الحاضر فأما الظهار بالكتابة فهو كالطلاق على قولين، وأما الإيفاء بالكتابة فلا يصح قولًا واحدًا، لأن الإيلاء يمين بالله تعالى لا ينعقد بالكناية، وأما عقد البيع والإجابة بالكتابة. فإن قيل: إن الطلاق لا يقع بهما ولا يكون كناية فيه فأولى أن لا ينعقد بها بقع ولا إجارة، وإن قيل: إن الطلاق يقع بها، وإنها كناية فيه، ففي عقد البيع والإجارة بهما وجهان، من اختلاف أصحابنا ني عقد البيع والإجارة بصريح العقد وكنايته على وجهين:
أحدهما: لا تصح بالكتابة. إذا قيل: إنه لا تصح بالكنايات
والوجه الثاني: أنه تصح بالكتابة إذا قيل: إنه تصح بالكنايات
وقد حكي أبو حامد المروزي: أنه وجد نصَّا عن الشافعي، أنه إذا كتب إلى رجل في بلد أني قد بعتك داري، فيه بكذا صح البيع، إذا قبله المكاتب إليه، وكان له الخيار ما لم يفارق مجلسه، والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي: " فإذا كتب إذا جاءك كتابي فحتى يأتيها".
قال الماوردي: وإذا قد مضى الكلام، حكم الكتابة بالطلاق إنها ليست صريحة فيه، وفي كونها كناية قولان، فلا يخلو حال من كتب بطلاق زوجته من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقترن بكتابته لفظ.

الصفحة 54