كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 10)
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحرام يمين تكفر" وهذا نص.
ولأن ما أوجب كفارة اليمين في الزوجة والآمة، كانتر يمينًا توجب الكفارة في الطعام والمال كالحلف بالله تعالى.
ودليلنا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} فأنكر الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم ما أحله له، فدل على أن التحريم لم يقع فبطل به قول من جعله طلاقًا وظهارًا، وقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} دليل على أنه حرم ما أحل الله له، بيمين حلف بها، فعوتب في التحريم، وأمر بالكفارة في اليمين، ولم يكن التحريم بيينًا، لأن اليمين إنما يكون خبرًا عن ماض ووعدًا بمستقبل، فلم يجز أن يكون يمينًا، ويدل على ما قلناه ما روي عن عائشة رضي الله عنها - قالت: آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا، وحرم جاريته يومًا بيمين، وكفّر عن تحريمه. فبطل بهذا أن يكون التحريم يمينًا، أو يصير مؤليًا، وأخبرت أنه كفر عن تحريم العارية دون العسل، ويدل عليه مبرم طريق الاعتبار. أن كل لفظ عربي عن اسم لله تعالى وصفته لم تنعقد به اليمين، قياسًا على كنايات الطلاق والعتاق وسائر الكلام.
فأما الجواب عن الآية فهو ما قدمناه من الاستدلال بها، وقد روى الحسن وقتادة والشعبي أنه حرم مارية عن نفسه بيمين حلف بها.
وأما حديث ابن عباس عن عمر، فقد رواه عبد الله بن محرز عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقد ذكر الدارقطني أن ابن محرز ضعيف، ولم يروه عن قتادة على أنه يحمل قوله: "الحرام يمين يكفر"، أي في الحرام كفارة يمين، وأما القياس بالمعنى في الأصل أنه خالف الله تعالى فانعقدت به اليمين.
مسألة: قال الشافعي: " ولو قال كل ما أملك على حرام يعنى امراأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة يمين واحدة ولم يكفر عن ماله".
قال الماوردي: وهذا صحيح، إذا حرم على نفسه ما يملك من نسائه وجواريه وأمواله، فلا كفارة عليه في الأموال لما ذكرنا، وأنه لا حرمة له ولا تغليظ ولا حد في تناول محظوره، وأما نساؤه وجواريه، فإن أراد تحريم وطئهن لزمته الكفارة، وفيها قولان: أحدهما: وهو قوله في القديم، وظاهره نصه ها هنا، عليه كفارة واحدة، لأن لفظة التحريم واحدة.
والقول الثاني: عليه لكل واحدة من نسائه وجواريه كفارة، اعتبارًا بأعدادهن، لأن كل واحدة منهن محرمة، ومثله من ظاهر من أربع نسوة له بكلمة واحدة كان فيما يلزمه من الكفارة قولان:
أحدهما: كفارة واحدة، لأن اللفظة واحدة.
الصفحة 69
544