فقلت له: فهل قلت في ذلك شيئاً؟
فأنشا يقول [من المتقارب]:
تَرَكْتُ النَّبِيذَ لأَهْلِ النَّبِيذِ ... وَأَصْبَحْتُ أَشْرَبُ ماءً قراحا
لأَنَّ النَّبِيذَ يُذِلُّ العَزِيزَ ... وَيَكْبُو الوُجُوهَ النِّضارَ الصِّباحا
فَإِنْ كانَ ذا جائِزاً لِلشَّبابِ ... فَما العُذْرُ فِيهِ إِذا الشَّيْبُ لاحا (¬1)
وروى ابن جهضم عن سَرِي السَّقَطي رحمه الله تعالى قال: خرجت يوماً إلى المقابر، فرأيت بهلولاً رحمه الله تعالى قد دلى رجليه في قبر يعبث بالتراب، فقلت له: أي شيء تصنع هاهنا؟
فقال: أنا عند قوم لا يؤذونني، وإن غبت عنهم لا يغتابوني.
فقلت له: لا تكون جائعاً؟
فولى، وأنشأ يقول: [من الطويل]
تَجَوَّعْ فإِنَّ الْجُوعَ مِنْ عَلَمِ التَّقي ... وَإِنَّ طَويلَ الْجُوعِ يَوماً سَيَشْبَعُ
فقلت له: إن الخبز قد غلا.
فقال: والله ما أبالي ولو بلغت حبة بمثقال؛ علينا أن نعبده كما أمر، وعليه أن يرزقنا كما وعد.
ثم ولى، وهو يقول [من الرمل]:
¬__________
(¬1) انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 515).