كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

يقولوا لك: إن كرمه أصيل، ورثه عن أبيه، أو جدّه؛ كما قال مادح يحيى ابن خالد:
سألت الندى: هل أنت حرٌّ؟ فقال: لا ... ولكنني عبدٌ ليحيى بن خالدِ
فقلت: شراء؟ قال: لا بل وراثة ... توارثني عن والدٍ بعد والدِ
ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء: أن لا يجعل بينه وبين طالبي العرف حجاباً غليظاً؛ كما قال ابن أبي السمط:
له حاجب في كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجبُ
ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء: أن يلاقي خدمه الزائرين والمستجدين بأدب جميل. قال محمد بن جرير الخارجي:
سهل الفناء إذا حللت ببابه ... طلق اليدين مؤدّب الخدّام
وكان الراسخ في السخاء من أهل البادية لا ينزل إلا بالأماكن المرتفعة؛ ليرى الناس منزله على بعد في النهار، ويبصرون ناره كذلك في ظلام الليل.
قال أبو زياد الأعجم:
له نار تشب على يَفاع ... إذا النيران ألبست القناعا
وقال ابن هرمة:
أغشى الطريق بقبتي ورواقها ... وأحل في نشز الربا فأقيم
يتفاضل الناس في السخاء، وأرفع درجاته أن يكون الرجل في حاجة ملحة إلى ما عنده، ويدع حاجته، ويصرفه في وجه الخير، وذلك ما يسمى بالإيثار، قال تعالى:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].

الصفحة 102