كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

وإني لمشتاق إلى ظلَّ صاحب ... يرقُّ ويصفو إن كدرت عليه
ويروى: أن الخليفة المأمون لما سمع هذين البيتين، قال: خذوا مني الخلافة، وأعطوني هذا الصاحب.
ومكارم الأخلاق كلها خير، وكل مكرمة ترفع صاحبها في الشرف درجة أو درجات، ومن أعظمها أثراً في سعادة حياة الأفراد والجماعات: خلق الحلم، ويكفي الحلم شرفاً أن اسمه أخذ من بين أسماء الفضائل، وسمي به العقل، ومن الحكم الذائعة في كتب الأدب قولهم: ما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى مقدرة.
يقطع الحلم شراً لو قوبل بمثله، لتمادى، أو عظم خطره.
قال أيوب: حلم ساعة يرفع شراً كبيراً.
وقال الأحنف: من لم يصبر على كلمة، سمع كلمات، وربَّ غيظ تجرَّعته مخافة ما هو شر منه.
وقد يضع الحلم مكان الضغينة مودة، ذلك أن الفضيلة محبوبة في نفسها، وتدعو إلى إجلال من يتمسك بها؛ وقد نبه القرآن المجيد لهذه الحكمة بقوله:
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
وبالحلم يحفظ الرجل على نفسه عزتها، إذ يرفعها عن مجاراة الطائفة التي تلذ المهاترة والإقذاع.
كان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه أحد بشتم أو قول سوء، لم يجبه، وقال: إني أتركك رفعاً لنفسي عنك.

الصفحة 110