كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

ونرى الناس في جانب الحليم متى كان خصمه أو مناظره ينحدر في جهالة، ولا يندى جبينه أن يقول سوءاً.
قال علي بن أبي طالب: "حلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه".
ومن فضل الحلم أن الرياسة صغيرة كانت أو كبيرة؛ لا ينتظم أمرها إلا أن يكون الرئيس راسخاً في خلق الحلم.
قال معاوية لعَرابة بن أوس: بم سُدت قومك يا عرابة؟ قال: "يا أمير المؤمنين! كنت أحلم على جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم"؛ وذلك أن الناس يكرهون جافي الطبع، ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة، إلا أن يساقوا إليه سوقاً، فمن قل نصيبه من الحلم، قل أنصاره، وذهبت من قلوب الناس مودته، والرئيس بحق من يملك القلوب قبل أن يبسط سلطانه على الرقاب.
ثم إن أعزَّ غاية تعمل لها الجماعات: التمتع بنعمة الحرية، ولا تظفر الجماعات بهذه البغية إلا أن يكون الماسك بزمام سياستها على جانب عظيم من الحلم؛ فإن الحليم هو الذي يقدم الناس على نقد تصرفاته، ويصرحون له بآرائهم فيما لا يرضون عنه من أعماله.
أغلظَ رجل إلى معاوية بن أبي سفيان القول، فحلم عنه، فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا.
ويعجبني من الشعر المعبر عن الحلم البالغ أبياتُ محمد بن عميرة المعروف بالمقنَّع الكِندي التي يقول فيها:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمِّي لمختلفٌ جِدّا

الصفحة 111