كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

نصيب كل شهر.
والتهجد في جزء من الليل قربة يبعث عند الله مقاماً محموداً، ونبّهت السنّة على أن من جزاء القيام في ليالي رمضان غفراناً يمحو الذنوب السالفة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وظاهر الحديث: أن هذا الغفران المترتب على قيام رمضان، يأتي على ذنوب السالفة جميعاً فيسقطها، ولكن أهل العلم قصروه على صغائر الذنوب دون كبائرها، ورأوا أن فضل العمل الصالح لا يبلغ أن يسقط الكبائر من المعاصي، وصاحبها لم يتب عنها، أو لم تقم عليه العقوبة المقررة على من يرتكبها. يقولون هذا، وهم يسلّمون أن لمشيئة الله تعالى سلطاناً قد يفعل في كبائر الذنوب ما تفعله التوبة الخالصة أو إقامة الحدود.
ومما استندوا إليه في تقييد المغفرة في هذا الحديث بصغائر الذنوب: أحاديث وردت في فضل أعمال أخرى، وقيدت فيها بمغفرة الذنوب باجتناب كبائرها.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يتهجد في ليالي السنّة بأسرها، وورد في الصحيح: أنه خرج في إحدى ليالي رمضان من جوف الليل، فصلّى في المسجد، وصلّى رجال بصلاته، جرى هذا ثلاث ليال، ولم يخرج في الليلة الرابعة، وقد ضاق المسجد على الحاضرين حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر، أقبل على الناس، ثم قال: "أما بعد: فإنه لم يخفَ عليّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم، فتعجزوا عنها" (¬1).
¬__________
(¬1) "صحيح الإمام البخاري".

الصفحة 144