كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

والخوف من افتراض هذه الصلاة قد يكون من جهة أن الله تعالى جعلها في حقهم من الأمور المندوب إليها، ولم يأمرهم بفعلها في جماعة على نحو الصلوات المفروضة، رفقاً بهم، فإذا تظاهروا بالقوة عليها، وساروا بها سيرة ما افترضه الله عليهم من الصلوات، كانوا قد شددوا على أنفسهم في أمر جعل الله لهم فيه يسراً.
فمن المحتمل أن يكون ما أخذوا به أنفسهم من الشدة سبباً لأن ينزل الوحي بفرض هذه الصلاة؛ ابتلاء لهم حتى يظهر عجزهم عن إقامتها، ويدركوا العسر الذي راعاه الشارع في عدم إيجابها، والتأكيد في الاجتماع لها، ومتى كان القصد من فرضها تنبيههم لوجه الرفق بهم في عدم فرضها أولاً، لم يلزم استمرار هذا الفرض حتى يقال: كيف يأمر الشارع الناس بما يعجزون عن المداومة عليه؟
وقد رأينا الشارع يسن أحكاماً لمقاصد سامية، حتى إذا أحس الناس بما فيها من عسر، عاد إلى ما يقتضيه أصل التشريع من الرفق والتيسير، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قصد بعدم خروجه لصلاة التراويح في المسجد قطع أمر من المحتمل أن يكون وسيلة لتكليف يثقل عليهم القيام به، ويظهر عجزهم عنه.
وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن الناس يجتمعون في صلاة القيام برمضان على إمام واحد، وبقوا على هذا الحال إلى عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فأقام أُبيَّ بن كعب إماماً لهذه الصلاة، وجمع الناس على الائتمام به.
قال عبد الرحمن القاري: "خرجت مع عمر بن خطاب - رضي الله عنه - ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه،

الصفحة 145