كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

قلمه ودواته أقرب إليه من قارورة الدواء الذي كان يعالج به مرضه الملقي به يد الموت.
ولي قلم في أنملي إن هززته ... فما ضرني أن لا أهزّ المهنّدا
انتخب الفقيد وكيلاً أول لهذه الجمعية، واقترح على مجلس الإدارة أن يعقد اجتماعاته في بيته الكريم ريثما نهيئ للجمعية منزلاً، فكان أول عضو شد أزر الجمعية بعد تأليفها، وما زال يمدها برأيه وأدبه وذاتِ يده حتى فجعت برحيله إلى الدار الباقية، فكان مصابها به عظيماً، وحزنها عليه شديداً، فإذا رأيتم اليوم ناديها موحشاً كاسفاً، فلأنه فقد منطقاً طالما وقف على هذا المنبر، فملأ الأسماع حكمة، وأوقد في النفوس حماسة.
وضاءة أخلاق، في متانة دين، في براعة بيان، ثلاث خصال اجتمعت في الفقيد - رحمه الله -، وإذا رأيت الخلق وضيئاً، والدين متيناً، والبيان بارعاً، فإن هناك عظمة، فانسجْ من برود الثناء ما شئت، وأهدها إلى تلك العظمة.
إذا بكاه الحق، فلأنه كان بطلاً لا يلوي جبينه عن طعان، وإذا بكاه عشاق الأدب، فلأنه كان غوّاصاً على درره الغالية، ونظّاماً لقلائدها الزاهية الرائعة، فكم أخذ الألباب بشعر ألقت عليه البداوة جزالة، وأودعته الحضارة معاني أنيقة!.
وإذا وجد في الشعراء من لا يبالي أن يهيم في وادي الزور، أو يسقط في حفرة من الزيغ، فإن الفقيد - رحمه الله - قد جعل قوة الخيال تحت سلطان العقل، فاعتصم بحكمة الله من سقطات وقع فيها كثير ممن أوتوا خيالاً وحذقاً، ولم يؤتوا استقامة ورشداً.

الصفحة 215