كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 10/ 1)

ويما أن السخاء يقوم على الرحمة، وحب الحمد الصادق، وقلة الحرص على جمع المال، كان متصلاً بفضائل أخرى، فالسخي في أغلب أحواله يأخذ بالعفو، ويتحلَّى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، فيؤدي حقوق الناس من تلقاء نفسه، وإذا قضى بين الناس، كان عادلاً، فلا تطمح نفسه إلى رشوة، ولا تحدثه أن يأخذ حق ضعيف إلى قوي، ولتجدنَّ السخي بحق متواضعاً: لا يطيش به كبير، ولا تستخفه الخيلاء، ولتجدنه أقرب الناس إلى الشجاعة، وعزة النفس، وإنما يخسر الرجل الشجاعة والعزة بشدة حرصه على متاع الحياة الدنيا.
أما البخيل، فلفراغ قلبه من الرحمة، ولعدم اهتمامه بأن يكون له في الناس ذكر جميل، ولحرصه على جمع المال حرصاً يعمي ويصم، نجده قد فقد كثيراً من المكارم، وجمع إلى الشح كثيراً من الرذائل، كما قال أحد شعراء الحماسة:
فإني رأيت الشح يا أم هيثم ... لصالح أخلاق الرجال سَروقُ
ومن المعروف في سنن الله الحكيمة: أن السخي بحق يفوز بالحياة الطيبة، ولا تكون عاقبته إلا الرعاية من الله والكرامة.
قالت خديجة - رضي الله عنها - للرسول الأكرم - صلوات الله عليه -: "والله! لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
يتفاضل الناس في السخاء من وجوه شتى:
يتفاضلون من جهة مقدار ما ينفق في الخير، فمن ينفق مئة أسخى ممن ينفق عشرة متى تساويا أو تقاربا فيما يملكان من المال.

الصفحة 99