كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 10)

فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لِنَفَسِه» (¬1).
قالَ العلماءُ: لوْ سمعَ (بُقراطُ) هذه القسمةَ لعجبَ منْ هذهِ الحكمةِ (¬2).
وحينَ قيلَ لأحدِ الأطباءِ النصارى: ما في القرآنِ والسُّنّةِ منْ آياتٍ وأحاديثَ تفوقُ ما وصفَهُ الأطباءُ، عَجِبَ منْ ذلكَ، ثمَّ قالَ: ما تركَ كتابُكمْ ولا نبيُّكمْ لجالينوس طِبًّا (¬3).
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، مادحًا حالَ المؤمنِ في الزهدِ والقناعةِ فيما يأكلُ: «الكافرُ يأكلُ في سبعةِ أمعاء، والمؤمنُ يأكُلُ في مِعيَ واحدٍ» (¬4).
والمعنى كما قالَ العلماءُ: حضٌّ على التقليلِ منَ الدنيا والزهدِ فيها، فهُوَ يتناولُ دونَ شِبَعهِ ويُؤثِرُ على نفْسِهِ، ويُبقي منْ زادِه لغيرِهِ، فيقنعُه ما أَكلَ (¬5).
أمّا العربُ فكانتْ تُمتدحُ بقلّةِ الأكلِ وتُذَمُّ بكثرتهِ، كما قالَ قائلُهمْ (أعشى باهِلةَ .. ):
تكفيهِ فَلِذَةُ كَبْدٍ إنْ ألمَّ بها
مِنَ الشِّواءِ ويَرْوي شُرْبَه الغُمَرُ (¬6)
والمعتمدُ في ذلكَ ما جاءَ في «صحيحِ» البخاريِّ (معلِّقًا): «كُلوا واشربوا والبَسوا وتصدَّقوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخِيلةٍ» (¬7).
إخوةَ الإيمانِ: يُروى أنَّ أبا جُحيفةَ (وهبَ بنَ عبد اللهِ السُّوائيَّ) رضيَ اللهُ عنهُ أكلَ
¬_________
(¬1) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح، «صحيح الجامع».
(¬2) تفسير القرطبي 7/ 192.
(¬3) تفسير القرطبي 7/ 192.
(¬4) أخرجه مسلم.
(¬5) تفسير القرطبي 7/ 193.
(¬6) الغمر: القدح الصغير.
(¬7) البخاري «كتاب اللباس».

الصفحة 273