كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 10)

ومن المخالفين في المسألة أيضًا ما أشار إليه ابن حزم حيث قال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا" (¬1)، ولم يذكر ابن حزم من هو المخالف، ولعله أشار بذلك إلى قول عطاء بن أبي رباح (¬2) حيث أخرج عنه ابن حزم أثرا حاصله أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، قال ابن حزم: "عن ابن جريج (¬3) قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬4) ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا" (¬5).
وفي هذا النقل عن عطاء تردد، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يدل على أنه موافق للجمهور في إن من سرق ثانية قطع ثانية، فقال في مصنفه: "عن عبد الملك عن عطاء سئل: أيقطع السارق أكثر من يده ورجله؟ قال: لا، ولكنه يحبس" (¬6).
¬__________
(¬1) مراتب الإجماع (221).
(¬2) هو أبو محمد، عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم بن صفوان اليماني، القرشي الفهري بالولاء، مفتي أهل مكة، ومحدثهم، نشأ بمكة، وكان من كبار التابعين وساداتهم، ومن أجلاء الفقهاء ومن أوعية العلم وأئمة الدنيا، ومن كبار الزهاد والعباد، ومع بين العلم والعمل والإتقان، عمي في آخر عمره، ولد بالجَنَد -بلدة في اليمن- سنة (27) هـ، وتوفي سنة (114) هـ. انظر: الطبقات الكبرى 2/ 386، التعديل والتجريح للباجي 3/ 1001، لسان الميزان 9/ 371.
(¬3) هو أبو الوليد، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، أصله رومي، وهو أول من صنف الكتب الحجاز، قال الإمام أحمد: "قال أحمد: فإن ابن جريج من أوعية العلم"، مات سنة (150 هـ). انظر: الثقات لابن حبان (7/ 93)، التاريخ الكبير للبخاري (5/ 422)، الطبقات الكبرى (5/ 491).
(¬4) سورة المائدة، آية (38).
(¬5) المحلى (12/ 350).
(¬6) المصنف (6/ 485)

الصفحة 50