كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)
وقال خليفة: وَفَدَ [كوثر] بن زُفر بن الحارث الكلابي على يزيد بن المهلب حين ولَّاه سليمان العراق، فقال له: أيُّها الأمير، أنتَ - واللهِ - أعظمُ قَدْرًا من أن يُستعان عليك إلا بك، ولستَ تفعلُ من المَكْرُمات مكرمةً إلا وهي صغيرةٌ في جانب قدرك، وليس بعجيبٍ أن تفعل، وإنَّما العجب أن لا تفعل. فقال: وما حاجتُك؟ قال: عشر دِيَات تحمَّلتُها عن غيري. فقال: هي لك ومثلُها. فقال كوثر: أما ما سألتك بوجهي فأقبلُه منك، وأمَّا ما ابتدأتَني به؛ فلا حاجةَ لي فيه. فقال يزيد: ولمَ وقد كفيتُك فيه دون المسألة؟ ! فقال له كوثر: إنَّ الذي أخذتَ مني بمسألتي ايَّاك وبَذْلِ وجهي أكثرُ من معروفك عندي، فكرهتُ الفضل على غيرِ ما بذلتُ له وجهي. فقال يزيد: فأنا أسألُك كما سألتَني إلا أَهَّلْتَني بقبولها، لا تزالُ حاجتُك بي. فقبلَها منه (¬1).
وقال المدائني: كان سعيدُ بنُ عَمرو مُؤاخيًا ليزيد بن المهلَّب، فلمَّا حبسه عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - منع الناسَ من الدخول عليه، فقال سعيد لعُمر - رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين، لي على يزيد خمسون ألفًا وقد حُلْتَ بيني وبينَه، فإنْ رأيتَ أن تأذنَ لي في الدخول عليه لأطالبه بدَيني. فأذِنَ له، فدخلَ عليه فسُرَّ به يزيد، وقال له: كيف دخلتَ عليَّ؟ ! فأخبره الخبر، فقال: واللهِ لا تخرجُ إلا وهي معك. فأمر له بها (¬2).
وقال ابنُ الكلبيّ: رأى يزيدُ في المنام كأنَّه راكبٌ على أسد وهو في مِحَفَّة (¬3)، فقالت عجوز من بكر بن وائل: تركبُ عظيمًا وتُحاط به.
وقال هشام عن أبيه قال: أدركتُ الناس يقولون: ضَحَّى بنو حرب بالدِّين يوم كَرْبَلاء، وضحَّى بنو مروان بالكَرَم يوم العَقْر (¬4).
¬__________
(¬1) بنحوه في "ديوان المعاني" للعسكري 1/ 155. وجاء مختصرًا في "عيون الأخبار" 3/ 124، وفيه: الهُذيل بن زُفر، وفي "العقد الفريد" 1/ 255، كريز بن زفر.
(¬2) المنتظم 7/ 82. وبنحوه في "عيون الأخبار" 1/ 342.
(¬3) المِحَفَّة: مركب للنساء كالهودج، لكن لا قبَّة له.
(¬4) وفيات الأعيان 4/ 109 ونُسب القول فيه لكُثيِّر عَزَّة. وذكره البكري في "معجم ما استعجم" 3/ 950 (العقر) دون نسبة.