كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

قال هشام: كان الحَرَشيّ قد اطَّرحَ جانبَ ابنِ هُبيرة واستَخَفَّ به , وكان رسولُ ابنِ هُبيرة إذا قدم على الحَرَشيّ يقول له: كيف أبو المُثَنَّى , ويكتب إليه: من سعيد إلى أبي المثنَّى. فقال ابنُ هُبيرة لجميل بن عمران (¬1): قد بلغني عن الحَرَشيّ أشياءُ، فاذهَبْ إلى خُراسان وحقِّق بما قيل لي. فخرج جميل (¬2) على وجه كأنَّه ينظر في الدواوين، فقيل له: ما قدم إلا ليكشف أخبارك.
فأرسلَ إليه الحَرَشيّ بِبِطِّيخةٍ مسمومة، فأكلها، فمرض، وتساقطَ شعرُه، وأشرفَ على الموت، فتحاملَ وعادَ إلى ابنِ هُبيرة، فقال: ما وراءَك؟ فقال الأمرُ أعظمُ مما بلغَك، ما يعدُّك الحَرَشيُّ إلا من بعض عماله.
فأرسل ابنُ هُبيرة مسلمَ بنَ سعيد الكلابي إلى خُراسان واليًا، فقبض على الحَرَشيّ، وعذَّبه، ونَفَخَ في بطنه النمل (¬3)، واستقضى أمواله. وكان الحَرَشيُّ يقول: لو طَلَبَ منّي ابنُ هُبيرة درهمًا يصعُه في عينه ما أعطيتُه. فلما ذاقَ العذابَ أقرَّ بالأموال، فقال أُذَينة ابن كُلَيب:
تَصَبَّرْ أبا يحيى فقد كنت - عِلْمَنَا - ... صبورًا ونهَّاضًا بثِقْلِ المغارمِ (¬4)
وقال الهيثم: عزل ابنُ هُبيرة سعيد الحَرشيَّ، وجعله في الحصن (¬5)، فلمَّا وَلِيَ خالدُ بنُ عبد الله القَسْريّ العواق أطلق الحَرَشيَّ وأكرمه، فلما هرب ابنُ هُبيرة من حبس خالد القَسْري أرسَل الحَرَشيّ خلفَه، فلم يدركه.
وقال الطبري: أدرك الحَرَشيّ ابنَ هُبيرة في الفرات وهو في سفينة، وغلام قائم على صدرها، فقال الحَرَشيّ: أفي السفينة أبو المثنَّى؟ قال: نعم. فخرج إليه ابن هُبيرة، فقال الحَرَشيّ: يا أبا المثنَّى، ما ظنُّكْ بي؟ قال: إنك لا تدفعُ رجلًا من قومك إلى
¬__________
(¬1) في (خ) (والكلام منها): حميد بن حمران. والمثبت من "تاريخ" الطبري 6/ 15، و"الكامل" 5/ 115.
(¬2) في (خ): حميد. والمثبت من المصدرين السابقين.
(¬3) كذا في "تاريخ" الطبري 7/ 16، و"الكامل" 5/ 115. وجاء في "أنساب الأشراف" 7/ 380 وفي سياق آخر أنه نفخ في دبره بكير وحبسه.
(¬4) تاريخ الطبري 7/ 15 - 16.
(¬5) كذا في (خ) (والكلام منها)، ولعل الصواب: الحبس. وينظر "تاريخ" الطبري 7/ 16.

الصفحة 375