كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

وقال الشعبيّ: ما كتبتُ سوداء في بيضاء قطّ، وما حدَّثني أحدٌ بحديث فأحببتُ أن يُعيده عَلَيَّ (¬1).
وكان يقول: ليتني أفْلَتُّ من علمي كَفَافًا لا لي ولا عَلَيَّ (¬2).
وكان يحدَّث الحديث بالمعنى.
ووقف على قوم وهم ينالون منه ولا يرَوْنَه، فقال:
هنيئًا مريئًا غيرَ داءٍ مُخامرٍ ... لِعَزَّةَ من أعراضنا ما استحلَّتِ (¬3)
وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قد ولَّى الشعبيَّ قضاء الكوفة، فتقدَّم إليه اثنان، فقال الشعبيّ لأحدهما: إن لم تُعطه حقَّه، أو جاء بك مرَّةً أخرى لأحبسنَّك ولو كنتَ [ابن] عبد الحميد (¬4).
وكان يقضي في المسجد، ويصبغ بالحِنَّاء، ويلتحفُ بملحفة حمراء (¬5).
وقال أبو حنيفة: رأيتُ الشعبيَّ يلبس الخَزَّ، ويجالسُ الشعراء، ويلبسُ الفِراء ويقول: دباغُها طُهُورُها (¬6).
وكان ابنَ سبع وسبعين سنة وهو يقرضُ الشِّعْر (¬7).
وقيل له: يا أبا عَمرو، كم أتى عليك من السنين؟ فقال:
باتَتْ تَشَكَّى إليَّ الموتَ مُجْهِشَةً ... وقد حملتُكِ سبعًا بعد سبعينا
إنْ تُحْدِثي أملًا يا نفسُ كذبةً ... إلى الثلاث تُوَفِّينَ الثمانينا (¬8)
¬__________
(¬1) المصدر السابق 8/ 368، وتاريخ دمشق ص 157 (طبعة مجمع دمشق - جزء فيه بعض تراجم حرف العين).
(¬2) طبقات ابن سعد 8/ 368، وحلية الأولياء 4/ 313، وتاريخ دمشق ص 175.
(¬3) طبقات ابن سعد 8/ 369، وتاريخ دمشق ص 196 - 197. والبيت لكُثَيِّر عَزَّة، وهو في "ديوانه" ص 78.
(¬4) طبقات ابن سعد 8/ 370، وتاريخ دمشق ص 219 (الطبعة المذكورة قبل) وما بين حاصرتين منهما. ومن قوله: وقال الشعبي: ما كتبتُ سوداء ... إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(¬5) طبقات ابن سعد 8/ 371.
(¬6) قول أبي حنيفة: "رأيتُ الشعبيّ يلبس الخَزَّ ويجالس الشعراء" في "طبقات" ابن سعد 8/ 370، وأما قوله: يلبس الفِرَاء ويقول: دباغُها طهورُها، فهو فيه 8/ 372 من كلام صالح بن أبي شعيب. وقولُه: "دباغُها طهورها" رُوي مرفوعًا عن عدد من الصحابة، ينظر حديث عائشة - رضي الله عنهما - "مسند" أحمد (25214).
(¬7) طبقات ابن سعد 8/ 373.
(¬8) بنحوه في "طبقات" ابن سعد 7/ 373، وتاريخ دمشق ص 200. والبيتان بنحوهما للبيد، ينظر "ديوانه" ص 352.

الصفحة 381