كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

الحجر، ومُجاشع زمزم، جشعت الماء، وأبو الفوارس أبو قُبيس. قلت: فنَهْشَل؟ ففكَّر طويلًا، ثم قال: هو مفتاح (¬1) البيت، أسودُ طويل. فقلت: أحسنت (¬2)!
سأل عبد الملك بن مروان جلساءه: دلُّوني على رجل أُولِّيه القضاء. فقال له رَوْحُ بن زِنْباع: أدلُّك على رجل إن دعوتُموه أجابكم، وإن تركتُموه لم يأتكم، ليس بالمُلْحِفِ طَلَبًا، ولا بالمُمْعِنِ هَرَبًا. فقال: مَنْ هو؟ قال: عامر الشعبي. فكتب إلى محامله بالعراق أن يولِّيَه القضاء، فهرب عامر إلى الشام مستخفيًا (¬3).
وقال الأصمعي: وجَّهَ عبدُ الملك بنُ مروان الشعبيَّ رسولًا إلى الروم في بعض الأمر، فاستكبرَ ملكُ الروم الشعبيَّ (¬4) واستعظمَه، وقال له: مِنْ أهل بيت المَلِك أنت؟ قال: لا. فكتب معه ورقةً لطيفة وقال: ادْفَعْها إلى صاحبك. ثم قال له: أنت أحقُّ بموضع صاحبك. وذلك بعدما سمع كلامه، فقال له الشعبي: على بابه عشرة آلاف خيرٌ مني. فقال: وهذا من عقلك!
فلما قدم الشعبي على عبد الملك دفع إليه الورقة، وفيها: عجبتُ من العرب؛ كيف يكون فيهم مثلُ هذا، ويُمَلِّكون غيرَه. فقال عبد الملك: يا عامر، حَسَدني عليك، فأغراني بقتلك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو رآك لاستصغرني. وبلغَ ملكَ الروم، فقال: واللهِ ما أردتُ إلا ذاك (¬5).
ودخل الأخطل على عبد الملك والشعبيُّ عنده، فقال: يا أمير المؤمنين، مَنْ هذا؟ فقال عبد الملك: نحن الخلفاء، فلا نُسأل. فخجل الشعبيّ (¬6).
¬__________
(¬1) في "العقد الفريد" 2/ 411: مصباح. وينظر "أخبار مكة" 2/ 69 - 70.
(¬2) الخبر بنحوه في "العقد الفريد" 2/ 409 - 411، وبعضه في "شرح أصول الاعتقاد" (2823). زُرارة: هو ابن عُدُس، ومُجاشع: هو ابن دارم، وكذا نَهْشَل. قال البغداديّ في "خزانة الأدب" 8/ 248: أراد أنهم متمكّنون في بيت العزّ كتمكّن المحتبي. وسلف قبل تعليق أن البيت للفرزدق.
(¬3) العقد الفريد 1/ 20 دون قوله: فكتب إلى عامله ... إلخ.
(¬4) أي: رآه كبيرًا وعظُم عنده. ووقع في "تاريخ دمشق" ص 199: فاستكثر.
(¬5) الخبر في "تاريخ دمشق" من روايتين ص 199 - 202.
(¬6) تاريخ دمشق ص 207.

الصفحة 384