كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)
فَعَفوٌ (¬1) أميرَ المؤمنين وحِسْبَةٌ ... فما تَحْتَسِبْ من صالحٍ لك يُكْتَبِ
أساؤوا فإنْ تغفِرْ فإنَّك أهلُه ... وأفضلُ حِلْمٍ حِسْبَةً حِلْمُ مُغْضَبِ
فقال له يزيدُ بنُ عبد الملك: أطَّتْ بكَ الرَّحِم، ولولا قَدْحُهم في المُلك لعفوتُ عنهم (¬2).
دخل كُثَيِّر على عبد الملك، فقال له: أنشدني في الإخوان. فأنشده:
خيرُ إخوانِك المشاركُ في المُـ ... ــــرِّ وأينَ الشريكُ في المُرِّ أَينا
الَّذي إنْ حَضَرْتَ سَرَّك في الحَـ ... ـــيِّ وإنْ غِبْتَ كان أذْنًا وعَينَا
ذاك مثلُ الحُسام أَخْلَصَ القَيْـ ... ـــــنُ جَلاءً فازدادَ حُسْنًا وزَينا
أنتَ في معشرٍ إذا غِبْتَ عَنهُمْ ... بدَّلُوا كلَّ ما يَزِينُك شَينَا
وإذا ما رأَوْك قالوا جميعًا ... أنتَ مِنْ أكرمِ الرِّجالِ علينا
فقال له عبد الملك: يغفرُ الله لك يا كُثَيِّر، فأينَ الإخوان؟ غير أني أقول:
صديقُك حين تستغني كَثِيرٌ ... وما لَك عند فَقْرِكَ من صديقِ
فلا تُنكِرْ على أحدٍ إذا ما ... طوى عنك الزيارةَ عند ضِيقِ
وكنتُ إذا الصَّدِيقُ أرادَ غَيظِي ... على حَنَقٍ وأشْرَقَني بريقي
غَوْتُ ذنوبَه وصَفَحْتُ عنهُ ... مخافةَ أنْ أكونَ بلا صديقِ (¬3)
دخل كُثَيِّر على عبد الملك، فأنشده قصيدتَه التي يقول فيها:
على ابنِ أبي العاصي دِلاصٌ حَصِينةٌ ... أجاد المُسَدِّي نَسْجَهما وأذَالها (¬4)
فقال له عبد الملك: هلَّا قلتَ كما قال الأعشَى لابن معدي كَرِب:
وإذا تجيءُ كتيبةٌ ملمومةٌ ... شهباءُ يخشى الذَّائدون نِهالها
¬__________
(¬1) كذا في (خ)، و"أنساب الأشراف" 7/ 282، و"المنتظم" 7/ 107. وفي "شرح الحماسة" للمرزوقي 4/ 1758، و"تاريخ دمشق" 8/ 401 (مصورة دار البشير - ترجمة الضحاك بن رمل)؛ فعفوًا. وهو الأشبه.
(¬2) الخبر بنحوه في المصادر السابقة. وقوله: أطَّتْ، أي: حَنَّتْ. نقله ابن الجوزي في "المنتظم" 7/ 107 عن أبي بكر بن الأنباري.
(¬3) تاريخ دمشق 59/ 299 (طبعة مجمع دمشق).
(¬4) الدِّلاص: الدِّرْع الليّنة، والمُسَدِّي: الَّذي يُسَدِّي الدِّرع أي: ينسجها، وأذالها، أي: أطال ذَيلها.