كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

كنتَ المُقَدَّمَ غيرَ لابسِ جُنّةٍ (¬1) ... بالسيفِ تضربُ مُعْلِمًا أبطالها
وقال له كُثَيِّر: ذاك إنما وصَفَه بالخُرْق، وأنا وصَفْتُك بالْحَزْم (¬2).
قال عبد الملك لكُثَيِّر: سَلْ حوائجَك. فقال: تُزوِّجُني عَزَّة. فأرسل إليها، فقالت: أبَعْدَ ما شبَّبَ بي وفضحني في العرب، لا كان ذلك أبدًا. وماتَتْ قبلَه (¬3).
قيل لكُثَيِّر: ما بقيَ من شعرك؟ قال: ماتَت عَزَّة فما أطرب، وذهبَ الشبابُ فما أعجب، وماتُ ابن ليلى فما أرغب، وإنما ينشأ الشعر من هذه الخِلال (¬4).
وأراد بابن ليلى عبد العزيز بن مروان، وقيل: بشر.
ذكر طرف من أخبارهما:
كان أولُ عشقه لها أنَّه مرَّ بنسوة من بني ضمْرَة ومعه غنم، فأرسَلْنَ إليه عَزَّة وهي صغيرة، فقالت: يَقُلْن لك النِّسوة: بعنا كبشًا نسيئةً إلى حين تعود. فأعجبَتْهُ، فأعطاها كبشًا، فلما عاد جاءت امرأة منهن إليه بدراهمه، فقال: أين الصَّبِيَّة التي أخذَت الكبش مني؟ قالت: ما تصنعُ بها؟ هذه دراهمُك. فقال: لا والله، لا آخذُ الدراهم إلا ممَّن دفعتُ إليها الكبش. ولم يأخذ شيئًا، وقال:
قضى كلُّ ذي دَيْنٍ فَوَفَّى غريمَهُ ... وعَزَّةُ ممطولٌ مُعَنًّى غريمُها
نظرتُ إليها نظرةً ما يُسرُّني ... بها حُمْرُ أنعامِ البلادِ وسُودُها (¬5)
وقال الزُّبير بن بكَّار: خرج كُثَيِّر يلتمس عَزَّة ومعه شَنٌّ (¬6) فيه ماءٌ، فضربه الحَرُّ، فيَبِس، فلاحَ له كوخٌ، فقصَدَه، فإذا فيه عجوزٌ، فقالت: مَنْ أنت؟ فقال: كُثَيِّر. قالت:
¬__________
(¬1) الجُنَّة: الدِّرْع.
(¬2) تاريخ دمشق 59/ 299 - 300 (طبعة مجمع دمشق).
(¬3) بنحوه في "المنتظم" 7/ 104.
(¬4) عيون الأخبار 2/ 185، وتاريخ دمشق 59/ 325. وبنحوه في العقد الفريد 5/ 326.
(¬5) الأغاني 9/ 25 - 26، والمنتظم 7/ 105 - 106.
(¬6) الشَّنُّ: القِرْبَة الخَلَقُ الصغيرة يكون فيها الماء أبردَ من غيرها. ووقع في "تاريخ دمشق" 59/ 316 و"المنتظم" 7/ 106: شُنَيْنة (تصغير شَنَّة، وهما بمعنى).

الصفحة 410