كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)
فإنْ بَرَزَتْ كانَتْ لِعَينِكَ قُرَّةً ... وإِنْ غِبْتَ عنها لم يَعُمَّكَ عارُها
فقالت له: أرأيتَ حين تذكرُ طِيبَها؛ فلو أنَّ زِنْجيَّةً استجمرتْ بالمَنْدَل الرَّطْب لطابَ رِيحُها! ألا قلتَ كما قال امرؤ القيس:
خليليَّ عُوجا (¬1) بي على أمِّ جُنْدُبٍ ... نُقَضِّ لُباناتِ (¬2) الفؤادِ المعذَّبِ
ألَمْ تَرَ أني (¬3) كلّما جئتُ طارقًا ... وجَدْتُ بها طِيبًا وإنْ لم تَطَيَّبِ
فقال كُثير: الحقُّ لَهُوَ -واللهِ- خيرُ ما قيل، لَهُوَ -واللهِ- أنعتُ لصاحبته منّي (¬4).
وقال ابن عائشة: وقف كُثّيِّر على قوم يفضِّلون عليه جميلًا ويقولون: هو أصدقُ في حبِّه من كُثَيِّر، وهم لا يعرفونه، فقال لهم: كيف تفضِّلُون جميلًا على كُثَيِّر وقد بلغ جميلًا عن بُثَينَةَ ما يكره؟ فقال:
رمى الله في عَينَيْ بُثَينَةَ بالقَذَى ... وفي الغُرِّ من أنيابها بالقَوادحِ
وكُثَيِّر عَزَّة أتاه من عَزَّة بعضُ ما يكره، فقال:
خليليَّ هذا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلا ... قَلُوصَيكُما ثم ابكيا حيثُ حَلَّتِ
وما كُنْتُ أدري قبلَ عَزَّةَ ما البُكا ... ولا موجباتِ الحبِّ (¬5) حتَّى تولَّتِ
فقلتُ لها يا عَزَّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ
وواللهِ ما قاربتُ إلا تباعَدَت ... وواللهِ ما أكثرتُ إلا أقلَّتِ
أسيئي بنا أو أحْسِني لا ملومةٌ ... لَدَينا ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ
فلا يحسبُ الواشون أنَّ صبابتي ... بِعَزَّةَ كانت غَمْرةً فتَجلَّتِ
ومن أرقّ ما قال:
هنيئًا مريئًا غير داءٍ مُخامرٍ ... [لعزَّةَ من أعراضنا ما اسْتَحلَّتِ]
¬__________
(¬1) في "ديوان" امرئ القيس ص 41، و"تاريخ دمشق" 59/ 320: مُرَّا.
(¬2) جمع لُبانة، وهي الحاجة من غير فاقة.
(¬3) كذا في (خ) و"تاريخ دمشق" 59/ 320، وفي "الديوان": ألم تَرَياني. وهو الوجه.
(¬4) تاريخ دمشق 59/ 319 - 320.
(¬5) في "الشعر والشعراء" 1/ 514، و"التذكرة الحمدونية" 6/ 172: موجعات الحزن. وفي "الأغاني" 9/ 29: موجعات القلب. وفي "الحماسة البصرية" 2/ 123: موجعات البين.