كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)
قال: فلمَّا قدمنا على يزيد أخبرناه خَبَرها، فأرسل إلى مولاها، فاشتراها بمئة ألف درهم، فلما قَدِمَتْ عليه حَظِيَتْ عنده، وبعثَتْ إلينا بالهدايا والألْطَاف (¬1).
وقوله: يا بيت عاتكة، ما أرادَ عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وإنما أرادَ عاتكة أخرى يقال لها: أمّ جعفر، كانت عفيفةً صالحة، شبَّبَ بها الأحوص، وقفت عليه يومًا وهو في نادي قومه، فقالت له: اقضِ ثمنَ الغنم التي اشتريتَ منّي. فقال: واللهِ ما أعرفُكِ ولا رأيتُكِ قبل اليوم! فقالت لقومه: خوِّفوه من الله تعالى. فكرَّرَ الأَيمان أنَّه ما رآها قبل اليوم، فكشفَتْ وجْهَها وقالت: يا عدوَّ الله، فأنا عاتكة (¬2) التي شَبَّبْتَ بي وفضحتَني في شعرك. فانكسر الأحوص، وبرئت المرأة.
وقال الرِّياشيّ: كتبَ الأحوص إلى عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - من دَهْلَك:
وكيف تَرَى للنومِ طَعْمًا ولَذَّةً ... وخالُك أَمْسَى مُوثَقًا في الحبائلِ
فمَنْ كان أمسى سائلًا عن شماتةٍ ... ليشمتَ بي أو شامتًا غير سَائلِ
فقد عَجَمَتْ (¬3) مني الحوادثُ ماجدًا ... صَبُورًا على غَمَّاءِ تلك البلابلِ
إذا سُرَّ لم يَفْرَحْ، وليس لِنَكْبَةٍ ... أَلَمَّتْ به بالخاشعِ المتضائلِ (¬4)
وقال جعفر بن سليمان: ما سمعتُ بأشعرَ من القائل:
إذا رُمْتُ عنها لسَلْوة قال شافعٌ ... من الحُبِّ ميعادُ السُلُوّ المقابِرُ
فقيل له: بلى، الأحوص، حيث يقول:
سيَبْقَى لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشَا ... سَرِيرَةُ وُدِّ يومَ تُبْلَى السَّرائرُ (¬5)
¬__________
(¬1) ينظر "الأغاني" 21/ 108 - 109، و"مختصر تاريخ دمشق" 13/ 278 - 280 (وليس لديّ ترجمة الأحوص في "تاريخ دمشق" (وأورد ابن عساكر القصة أيضًا في "تاريخه" 19/ 603 (مصورة دار البشير) في ترجمة أم سعيد شاعرة حجازية. ونقل أبو الفرج بإثر القصة عن مصعب الزبيري قوله: أظنُّ القصة كلَّها مصنوعة.
(¬2) في "الأغاني" 6/ 258 (والخبر فيه بنحوه): أنا أمُّ جعفر.
(¬3) أي: اختبرت وامتحنت.
(¬4) ينظر "الأغاني" 4/ 247 و 9/ 65 - 66.
(¬5) الأمالي لأبي علي القالي 2/ 166. وفي "الأغاني" 4/ 248 أن عمر بن عبد العزيز ذكر بيت الأحوص هذا ثم قال: إن الفاسق عنها يومئذٍ لمشغول. قلتُ: وقد قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ}. وقال أيضًا: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}. ومن قوله: وكان سنُّه ثمانيًا وثلاثين سنة (قبل ست صفحات) ... إلى هذا الموضع، ليس في (ص).