كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

قال طاوس: فقلت في نفسي: الرجل حكيم، فقمتُ خلفه، فجاء إلى البيت، فتعلَّق بأستار الكعبة، ثم دعا بدَعَوات فقال: اللهمَّ بك أعوذُ وبك ألُوذُ، اللهمَّ اجعلْ لي في اللَّهَف إلى جُودك والرضى بضمانك (¬1) مندوحة عن بخل الباخلين، وغنىَ عمَّا في أيدي المستأثرين، اللهمَّ فرجَك القريب ومعروفَك القديم.
ثم ذهب، فرأيتُه عشيَّة عرفةَ وهو واقفٌ يقول: اللهم إن كنتَ لم تقبل حجِّي وتعبي ونَصَبي، فلا تحرمني الأجر على مصيبتي. ثم جعل يقول: واسوأتاه منك وإن عفوتَ.
ثم غاب عني فلم أره بعد ذلك، فوقع لي أنَّه من الأبدال (¬2).
[قال الواقدي: ] وكان لطاوس ابنٌ يقال له: عبد الله، من العلماء الزُّهَّاد، وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من التابعين من أهل اليمن. [قال: ] وكنيته أبو محمد [مات في خلافة أبي العبَّاس السفَّاح، وكذا قال ابن سعد. ورُوي عنه أنَّه عاش إلى أيام المنصور] (¬3).
قال مالك بن أنس: لمَّا وَليَ أبو جعفر المنصور الخلافة بعث إليَّ وإلى ابنِ طاوس، فدخلنا عليه وبين يديه أنطاعٌ قد فُرشت، وجَلَاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق، فجلسنا وهو مطرقٌ، فرفع رأسه وقال: يا ابنَ طاوس، حدَّثني. فقال: حدَّثني أبي عن جدِّك ابن عباس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "أشدُّ الناس عذابًا يومَ القيامة رجل أشركه الله في حكمه، فأدخل الجَوْرَ في عدله". قال مالك: فضممتُ ثيابي خوفًا أن ينتضح عليها من دمه. فأطرقَ أبو جعفر ورفع رأسه ثم قال: إيه يا ابن طاوس، عِظْني. فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} إلى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6 - 14] فقال له أبو جعفر: يا ابن طاوس، ناولني الدَّواة. فقال: لا والله. قال: ولم؟ ! قال: خوفًا أن تكتب بها مظلمة أو إراقة دم مسلم،
¬__________
(¬1) في (خ): بقضائك، والمثبت من (ص)، وهو الموافق لما في "الأولياء" لابن أبي الدنيا (88).
(¬2) المصدر السابق، وهو أيضًا في "تاريخ دمشق" 65/ 332 - 233 (ترجمة محمد بن يوسف الثقفي)، وصفة الصفوة 2/ 298، والمنتظم 7/ 116.
(¬3) ينظر "طبقات" ابن سعد 8/ 105. والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).

الصفحة 440