كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

قال: فالتفت إليَّ وقال: ما تقولُ أنتَ يا عامر؟ فقلت: الأميرُ -وفَّقه الله- مجتهدٌ، والتوفيقُ من الله.
فالتفت إلى الحسن، فقال: ما تقول أنتَ يا أبا سعيد؟ إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إليَّ في أشياء ليست من طامحة الله، هل ترى [لي] رخصة أن أُمضيَها؟ قال عامر: فنشز (¬1) الحسن وجثا (¬2) على ركبتيه وقال: هذا الشعبيّ فقيه أهل العراق [-أو المشرق-] فسله. فأحال الجواب عليَّ، فقلت: قارِبْ وسدِّدْ وارفُقْ، فإني أرجو أن لا يكون عليك بأس. فقال للحسن: أريد جوابَك أنتَ يا أبا سعيد. فقال له الحسن وقد احمرَّتْ عيناه: إيهِ يا ابْنَ هُبيرة! خَفِ الله في يزيد، ولا تخف يزيدَ في الله، يا ابْنَ هُبيرة، اعرِضْ كتابَ يزيد على كتاب الله، فإن وافقَ، فأفضِه، كان خالف فاضْرِبْ به عُزضَ الحائط، يا ابن هُبيرة، يُوشِكُ -واللهِ- أن ينزل بك ملكُ الموت، فيُنزلك عن سريرك ويخرجَك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك (¬3)، ثم لا يُوسعُه عليك إلا عملُك، يا ابن هُبيرة، إنَّ للهِ سطوات ونِقْمات، وما هي من الظالمين ببعيد، يا ابنَ هُبيرة، لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق. فبكى ابنُ هُبيرة بكاءً شديدًا وقال: الحقُّ -واللهِ- فيما قال الشيخ.
ثم قمنا فخَرَجْنا، ولَحِقَنا رسولُه بالبَدْر (¬4) والهدايا إلى الحسن دونَنا، فلم يقبَلْها، وبعث إلينا بألفين [فقلنا: رَفَقْنا فَرَفَقَ لنا، وشدَّد غيرُنا فكثّر له].
قال الشعبي: ولما خرجنا قلتُ للحسن: يا أبا سعيد، ما كنّا نعرف لك الفضل علينا حتى اليوم، حيث أردنا الدنيا وأردتَ ما عند الله. [قال: ] فضرب بيده في صدري وقال: ويحك يا عامر، تدري متى هلك بنو إسرائيل؟ إنما هلكوا حين رخَّص لهم علماؤهم في محارم الله تعالى (¬5).
¬__________
(¬1) في (خ): فنشر. وفي (ص): فسوّى. والمثبت من (ب).
(¬2) في (ص): وجلس.
(¬3) في (ص): لحدك.
(¬4) البَدْر والبَدْرة: كيس فيه مال (ألف أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار). ينظر "القاموس".
(¬5) ينظر "أنساب الأشراف" 7/ 217، و"العقد الفريد" 1/ 58 - 59، و"حلية الأولياء"2/ 149 - 150 والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).

الصفحة 469