كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

وقد بلغ نيّفًا وثمانين سنة. وقد ذكرنا أنه كان له ثلاثون ولدًا من امرأة واحدة عربية؛ مات الجميع بالطاعون، فلم يبق إلا واحد، وهو عبد الله بن محمد، وضمن عن أبيه دينه وقال: لما ضمنتُ عنه دينه قال لي: بالوفاء؟ قلت: بالوفاء. فدعا في بخير.
قال ابن سعد (¬1): فقضى عن أبيه ثلاثين ألف درهم، فما مات عبد الله بن محمد حتى قَوّمَ مالُه، فكان ثلاث مئة ألف درهم أو نحوها.
قال المصنف رحمه الله: وقد اتفقوا أنه لمَّا مات أنس كان ابنُ سيرين محبوسًا، وأوصى أن يغسّله ابن سيرين، وأنه خرج فغسَّله وعاد إلى الحبس.
واتفقوا أيضًا على أنه مات محبوسًا بالدَّين.
وبين وفاة أنس ومحمد بن سِيرِين سبع (¬2) عشرة سنة؛ لأن أنسًا مات [إما] في سنة إحدى وتسعين أو ثلاث وتسعين (¬3)، ومحمدٌ مات سنة مئة وعشر سنين.
[قلت: ] والعجب من مُقدمه في السجن هذه المدة الطويلة وقد كان في أيامه الخلفاء الأمجاد والأسخياء الأجواد، مثل سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، وأولاد المهلَّب بن أبي صُفْرة، أفما كان في هؤلاء من يُقيلُه هذه العَثْرة (¬4)؟ !
أسند ابنُ سِيرِين عن زيد بن ثابت، وابنِ عمر، وأنس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وعمران بن حُصَين، وأبي بَكْرَة، وعبد الله بن الزُّبَيْر، وعديّ بن حاتم، وأبي قتادة، وغيرهم.
وقال الفُضَيل بن عياض (¬5): قلت لهشام بن حسان: كم أدرك ابنُ سِيرِين من الصحابة؟ قال: ثلاثين.
¬__________
(¬1) في "الطبقات" 9/ 204 - 205.
(¬2) في (ص): بضع.
(¬3) قوله: أو ثلاث وتسعين ليس في (ب)، وجاء بدلها في (ص): اثنتين وتسعين، وما سلف بين حاصرتين منها.
(¬4) من قوله: وقال حمَّاد بن زيد: مات محمد بن سيرين ... إلى قوله: قوِّم مالُه فكان ثلات مئة درهم أو نحوها. وقع في (ص) بعد هذه الفقرة.
(¬5) في (خ): الفضل بن دكين. والمثبت من (ب) و (ص)، والخبر في "تاريخ دمشق" 62/ 247.

الصفحة 481