كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

وفَدَ جرير على عبد الملك فاستأذنَه في الإنشاد، فقال له: ألستَ القائلَ في الحجَّاج بن يوسف:
هذا ابنُ يوسفَ فاعْقِلُوا وتَفَهَّمُوا ... بَرِحَ الخفاءُ فليس حين تَنَاجي
مَنْ سَدَّ مُطَّلَعَ النِّفاقِ عليكُمُ ... أم مَنْ يصولُ كصَوْلَةِ الحجَّاجِ
أم مَنْ يغارُ على النساءِ حفيظةً ... إذْ لا يَثقْنَ بغَيرِة الأزواجِ
قال له: يا أمير المؤمنين، إنما الحجَّاج سيفُك، فإذا مدحناه فإنَّما نمدحُك. فأذنَ له فقال:
أتصحُو أم فُؤادُك غيرُ صاحِ ... عشيَّةَ همَّ صَحْبُكَ بالرَّوَاحِ
فعَجِلَ عليه عبد الملك وقال: بل فؤادُك يا ابن اللَّخْناء. فقال:
تقول العاذلاتُ علاكَ شَيبٌ ... أهذا الشَّيبُ يمنعُني مِراحي (¬1)
ثِقي بالله ليس له شريكٌ ... ومِن عندِ الخليفةِ بالنجاحِ
ألستُم خيرَ مَنْ ركبَ المطايا ... وأندى العالمين بُطونَ راحِ
فطرب عبد الملك، وجعل يقلِّبُ كفّيه ويردِّدُ البيت ويقول: مَنْ مَدَحَنا فليَمدَحنا كذا.
وأمرَ له بمئة ناقة برِعائها، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، اجْعَلْها سُودَ الحَدَق. ففعل (¬2).
قال المصنف رحمه الله: فهذه من أبيات طويلة منها:
أغِثْني يا فِداكَ أبي وأمّي ... بسَيْبٍ منك إنك ذو ازتياحِ
فإني قد رأيتُ عليَّ حقًّا ... زيارتيَ الخليفةَ وامتداحي
سأشكرُ إن رَددتَ عليَّ ريشي ... وأنْبَتَّ القَوَادم في جَناحي
أبَحتَ حِمَى تِهامةَ بعد نَجْدٍ ... وما شيءٌ حَمَيتَ بمستباحِ
لكم شُمُّ الجبالِ من الرَّوَاسي ... وأعظمُ سَيلِ (¬3) معتلجِ البِطاحِ
رأى الناسُ البصيرةَ فاستقاموا ... وبيَّنَتِ المِراضُ من الصحاحِ
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ) (والكلام منهما): براح، والمثبت من "الديوان" 1/ 87. والمِراح: المرح.
(¬2) بنحوه في "العقد الفريد" 2/ 82 - 83. وينظر أيضًا "الأغاني" 8/ 66 - 67.
(¬3) في (ب) و (خ) (والكلام منهما): نسل، والمثبت من "الديوان" 1/ 90.

الصفحة 492